[ 240 ] الأمر وقد اتأد فيه ويؤد أي يتأنى ويتثبت وهو افتعل ويفعل والتاء في اتاد بدل من الواو والتؤدة صفة تابعة للسكون والحلم واللذين هما من أنواع الاعتدال في القوة الغضبية فإن حصولها يتوقف عليهما أما على السكون فلأنه عبارة عن ثقل النفس وعدم خفتها في الخصومات وأما على الحلم فلأنه عبارة عن الطمأنينة الحاصلة للنفس باعتبار ثقلها وعدم خفتها بحيث لا يحركها الغضب بسرعة وسهولة وإذا حصلت للنفس هاتان الصفتان أمكن لها التثبت والتأني وعدم العجلة في البطش والضرب والشتم إلى غير ذلك من أنحاء المؤاخذة وضد التؤدة التسرع بالسين المهملة في النسخ التي رأيناها، وقال سيد الحكماء عضدها التترع بتائين مثناتين من فوق وتشديد الراء قال في الصحاح: تترع إليه بالشر أي تسرع وهو رجل ترع أي سريع إلى الشر والغضب انتهى. والتسرع - يعني العجلة في الامور وعدم التأني في الأخذ - من فروع التهور الذي في جانب الإفراط من القوة الغضبية ومنشؤه الجهل بحسن السياسة وخفة النفس المقتضية لحركتها واضطرابها بأدنى سبب. (والحلم وضده السفه) الحلم هيئة حاصلة للنفس من اعتدال القوة الغضبية المسماة بالنفس السبعية التي من شأنها الاقدام على الأهوال وشوق التسلط والترفع والغلبة على الأقران، واعتدال تلك القوة إنما يحصل بانقيادها للعقل فيما عده حظا ونصيبا لها، وعدم تجاوزها عن حكمه، ويعتبر في حصول تلك الهيئة عدم انفعال النفس عن الواردات المكروهة المؤذية هذا في حق الإنسان وأما في حق الله سبحانه فالحلم عبارة عن عدم انفعاله عن مخالفة عبيده لأوامره ونواهيه وعدم استفزاز الغضب له عند مشاهدة المنكرات. وعدم حمل قدرته الكاملة له على المسارعة إلى الانتقام والفرق بينه تعالى وبين العبد في هذا الوصف إن سلب الانفعال عنه تعالى سلب مطلق وسلبه عن العبد سلب عما من شأنه أن يكون له ذلك الانفعال ويكون عدم الانفعال عنه تعالى أتم وأبلغ من عدمه عن العبد وبذلك الاعتبار يكون حلمه أعظم، ثم للحلم آثار غير محصورة منها كبر النفس ويعرف ذلك بتحملها للأمور الغير الملايمة لها، ومنها نجدتها ويعرف ذلك بعدم صدور حركات غير منظمة منها، ومنها علو همتها ويعرف ذلك بعدم جزعها عند الامور الهائلة حتى لا يبالي من أهوال الموت وشدايده، ومنها سكونها ويعرف ذلك بعدم طيشها في المؤاخذة، ومنها تواضعها ويعرف ذلك بالتخشع والتذلل للغير وعدم إظهار مزيتها عليه، ومنها حميتها ويعرف ذلك بعدم تهاونها في محافظة ما يجب حفظه شرعا وعقلا، ومنها رقتها ويعرف ذلك بظهور تألمها عند تألم أحد من المؤمنين وكذا له منافع غير معدودة في الدنيا والآخرة أما في الآخرة فيكفي في الدلالة ما روي " أن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم " (1) وأما في الدنيا فيكفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " الحلم ________________________________________ 1 - رواه ابن حبان في كتاب الثواب. (*) ________________________________________