[ 20 ] من قبيل تعلق العلة بالمعلول والسبب بالمسبب، ثم أشار إلى تفسير هذه الامور بوجه يفيد انتفاء السببية (فقال: يا يونس تعلم ما المشية) حتى تعلم أنها ليست سببا (1) لأفعالنا (قلت: لا، قال: هي الذكر الأول) أي العلم الأزلي السابق على الإرادة المتعلق بالأشياء على ماهي عليه في نفس الأمر فهي تابعة لتلك الأشياء بمعنى أنها مطابقة لها وأن الأصل في هذه المطابقة هو تلك الأشياء حتى أنها لو لم يتحقق لما تعلق العلم بوجودها، والمشية بهذا المعنى ليست سببا لها كما أن علمنا بطلوع الشمس غدا ليس سببا لطلوعها (فتعلم ما الإرادة قلت: لا، قال: هي العزيمة على ما يشاء (2) يعني ________________________________________ = يكون إلا ما شاء الله " وتكلف الشارح رحمه الله في تفسير ذلك والحق أن دخول الباء في كلام يونس غلط استدركه الإمام (عليه السلام) لأن الباء لا يدخل على الفاعل إلا شاذا سماعا فلا يقال: جاء بزيد مكان جاء زيد وضرب بعمرو مكان ضرب عمرو و " ما " في قوله ما شاء الله موصولة فاعل " لا يكون " فلا ينبغي أن يدخل عليه الباء وكان الشارح زعم أن " ما " مصدرية فيكون معنى قوله " بما شاء الله " بمشيئة الله وقوله " لا يكون إلا ما شاء الله " أي لا يكون إلا مشيئة الله وقد مضى في الصفحة 353 من المجلد الثالث حديث " خلق الله المشيئة ثم خلق الأشياء بالمشيئة " ومضى شرح ذلك وهو يدل على سببية المشيئة في الجملة. (ش) 1 - قوله " والمشيئة بهذا المعنى ليست سببا " قد سبق كما قلنا في الحاشية السابقة أن المشيئة سبب ويبعد كل البعد أن يكون المشيئة في هذا الحديث غيرها فيما سبق وأن تمحل الشارح فيما سبق في تفسير المشيئة والذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الإمام (عليه السلام) هنا وهناك أن المشيئة شئ مخلوق والمخلوق غير ذات الله تعالى ثم أنه الواسطة الوحيدة بينه تعالى وبين سائر خلقه بحيث لا يلزم منه تفويض الله تعالى فعله الى مخلوقه فهي أول ما خلق الله تعالى قد سمى لوحا أو قلما أو عقلا أولا أو نور خاتم الأنبياء أو الوجود المنبسط الساري ومصحح هذه الإطلاقات الاعتبارات المختلفة في المخلوق الأول فباعتبار أنه الوجود المنبسط والوجود خير محض مرغوب فيه مشتهى بالذات والعدم والموت منفور منهما صح اطلاق المشيئة عليه وباعتبار أنه يدرك نفسه ذاتا وجميع الأشياء بذاته سمى عقلا وذكرا كما في هذا الحديث ومثله سائر الإطلاقات ويمكن أن يكون إطلاق المشيئة عليه باعتبار أنه محل المشيئة فإن جميع ما أراد الله تعالى إيجاده في العالم منتقش فيه وهو بهذا الاعتبار الذكر الأول لأنه محل الذكر كما يطلق على الدعاء المكتوب والذكر المكتوب. (ش) 2 - قوله " هي العزيمة على ما يشاء " هذا الفرق الدقيق بين المشيئة والإرادة غير مراعى غالبا كأكثر فروق اللغة فقد يتسامح الناس فيها والحق ما ذكره (عليه السلام) لأن الإنسان يجد في نفسه بعد سماع كلمة شاء شيئا وبعد كلمة أراد شيئا آخر، فإن " شاء " يدل على رغبته في شئ ورضاه به ولا يدل على عزم في تحصيله أو تهيؤ واستعداد له = (*) ________________________________________