[ 19 ] الخبيث التزيين وإغوائهم إلى نفسه دل على اعترافه بأنهما فعلان له وقدرته عليهما وأما قوله * (بما أغويتني) * فالباء إما للقسم وجوابه قوله * (لازينن) * أو للسببية والقسم محذوف قبل هذا القول و " ما " مصدرية والإغواء بمعنى تخييبه تعالى إياه من رحمته بسبب التكبر وترك السجود أو بمعنى وجدانه إياه ضالا في الأعيان بعد علمه بضلالته في الأزل، فإن باب الإفعال قد يجئ بمعنى وجدان الفاعل المفعول على أصل الفعل كقولك أبخلته أي وجدته بخيلا، والمعنى أقسم بتخييبك إياي من رحمتك أو بوجدانك إياي ضالا بالسبب المذكور لازينن لهم المعاصي، وحينئذ لا دلالة فيه إلا على أن الاغواء بهذين المعنيين من فعله تعالى ولا محذور فيه وإنما المحذور في نسبة الضلالة وسببها وهو التكبر وترك السجود إليه تعالى وهو لم يقع. هذا ما خطر بالبال على سبيل الاحتمال والله أعلم بحقيقة الحال، وللمفسرين من العدلية بعد حملهم الإغواء على ظاهره وهو الإضلال كلام طويل في توجيهه، ومجمل هذا الكلام: أنه لما خلق أسباب الغواية فيه كالقدرية والعلم، وأمره بالسجود الذي هو أيضا من جملة أسبابها إذ بسببه استكبر وعصى كانت له تعالى سببية في الغواية فلذلك أسند فعلها إليه من باب إسناد الفعل إلى الفاعل البعيد مجازا، ومن الأصحاب من قال: المقصود أن في قوله * (بما أغويتني) * أي أشقيتني دلالة على الرد على القدرية فإن الغاوي الشقي وليس فعل الشر من الشقي بالجبر هذا كلامه فتأمل فيه (فقلت: والله ما أقول بقولهم) وهو أن أفعالنا صادرة عنه تعالى (ولكني أقول: لا يكون شئ) من أفعالنا (إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى) أي بسبب مشيئة الله وإرادته وتقديره وقضائه يعني أن هذه الامور أسباب لصدور أفعالنا عنا حتى أنها لو لم تكن لم نفعل (فقال: يا يونس ليس هكذا) أي ليس الأمر ما زعمت من أن الامور المذكورة أسباب لأفعالنا وأفعالنا تابعة لها (لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى) أنكر كلام يونس أولا، وأرشده الى الصواب ثانيا بحذف الباء السببية (1) الداخلة على المشية وما عطف عليها للتنبيه على أن تعلقها بأفعالنا ليس ________________________________________ = اقتضائه، وإما أن يخليه وما يقتضيه لعجز أو غيره وكذلك تصوروا الواجب والممكن مستقلين فإن غلب الواجب على الممكن فهو الجبر وإن خلاه وتركه فهو التفويض، والحق بطلان المبني وأن الممكن يفعل ما يقتضي ذاته بإذن الله ولا يمنعه الله من اقتضائه وليس فعل الممكن ما يقتضي ذاته بأن يكون الله تعالى تركه وخلاه وإنما النسبة بين الممكن والواجب نسبة الخالق والمخلوق وقد مثلنا برئيس الجند وأفراد الجندية. (ش) 1 - قوله " بحذف الباء السببية " قال يونس: " لا يكون إلا بما شاء الله تعالى " فاستدرك (عليه السلام) قوله وقال: " لا = (*) ________________________________________