وظاهره أنه لم يثبت القذف لعائشة إلا من الثلاثة المذكورين وقد ثبت أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول ولكن لم يثبت أنه جلده صلى الله عليه وسلم حد القذف وقد ذكر ذلك بن القيم وعد أعذارا في تركه صلى الله عليه وسلم لحده ولكنه قد أخرج الحاكم في الإكليل أنه صلى الله عليه وسلم حده من جملة القذفة وأما قول الماوردي إنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد أحدا من القذفة لعائشة وعلله بأن الحد إنما يثبت ببينة أو إقرار فقد رد قوله بأنه ثبت ما يوجبه بنص القرآن وحد القاذف يثبت بعدم ثبوت ما قذف به ولا يحتاج في إثباته إلى بينة قلت ولا يخفى أن القرآن لم يعين أحدا من القذفة وكأنه يريد ما ثبت في تفسير الآيات فإنه ثبت أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول وأن مسطحا من القذفة وهو المراد بنزول قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى الآية وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم البينة وإلا فحد في ظهرك الحديث أخرجه أبو يعلى ورجاله ثقات وفي البخاري نحوه من حديث بن عباس قوله أول لعان قد اختلفت الروايات في سبب نزول آية اللعان ففي رواية أنس هذه أنها نزلت في قصة هلال وفي أخرى أنها نزلت في قصة عويمر العجلاني ولا ريب أن أول لعان كان بنزولها لبيان الحكم وجمع بينهما بأنها نزلت في شأن هلال وصادف مجيء عويمر العجلاني وقيل غير ذلك والحديث دليل على أن الزوج إذا عجز عن البينة على ما ادعاه من ذلك الأمر وجب عليه الحد إلا أنه نسخ وجوب الحد عليه بالملاعنة وهذا من نسخ السنة بالقرآن إن كانت آية جلد القذف وهي قوله والذين يرمون المحصنات الآية سابقة نزولا على آية اللعان وإلا فآية اللعان إما ناسخة على تقدير تراخي النزول عند من يشترطه لقذف الزوج أو مخصصة إن لم يتراخ النزول أو تكون آية اللعان قرينة على أنه أريد بالعموم في قوله تعالى والذين يرمون المحصنات الخصوص وهو من عدا القاذف لزوجته من باب استعمال العام في الخاص بخصوصه كذا قيل والتحقيق أن الأزواج القاذفين لأزواجهم باقون في عموم الآية وإنما جعل الله تعالى شهادة الزوج أربع شهادات قائمة مقام الأربعة الشهداء ولذا سمي الله أيمانه شهادة فقال فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فإذا نكل عن الأيمان وجب جلده جلد القذف كما أنه إذا رمى أجنبي أجنبية ولم يأت بأربعة شهداء جلد للقذف فالأزواج باقون في عموم والذين يرمون المحصنات داخلون في حكمه ولذا قال صلى الله عليه وسلم البينة وإلا فحد في ظهرك وإنما أنزل الله آية اللعان لإفادة أنه إذا فقد الزوج البينة وهم الأربعة الشهداء فقد جعل الله تعالى عوضهم الأربع الأيمان وزاد الخامسة للتأكيد والتشديد وجلد الزوج بالنكول قول الجمهور فكأنه قيل في الآية الأولى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ولم يحلفوا إن كانوا أزواجا لمن رموا