فقالت عائشة صدقتم وهل تدرون ما الأقراء الأقراء الأطهار قال الشافعي أخبرنا مالك عن بن شهاب ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة انتهى واعلم أن هذه مسألة اختلف فيها سلف الأمة وخلفها مع الاتفاق أن القرء بفتح القاف وضمها يطلق لغة على الحيض والطهر وأنه لا خلاف أن المراد في قوله تعالى ثلاثة قروء أحدهما لا مجموعهما إلا أنهم اختلفوا في الأحد المراد منهما فيها فذهب كثير من الصحابة وفقهاء المدينة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وهو قول مالك وقال هو الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن المراد بالأقراء في الآية الكريمة الأطهار مستدلين بحديث عائشة هذا وقال الشافعي إنه يدل لذلك الكتاب واللسان أي اللغة أما الكتاب فقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وفي حديث بن عمر لما طلق امرأته حائضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طهرت فليطلق أو يمسك وتلا صلى الله عليه وسلم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن قال الشافعي أنا شككت فأخبر صلى الله عليه وسلم أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ فطلقوهن لقبل عدتهن وهو أن يطلقها طاهرا وحينئذ تستقبل عدتها فلو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض وأما اللسان فهو أن القرء اسم معناه الحبس تقول العرب هو يقرىء الماء في حوضه وفي سقائه وتقول يقرىء الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام فيه وتقول إذا حبس الشيء أقرأه أي خبأه وقال الأعشى أفي كل يوم أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة عزا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقرء في البيت بمعنى الطهر لأنه ضيع أطهارهن في غزاته وآثرها عليهن أي آثر الغزو على القعود فضاعت قروء نسائه بلا جماع فدل على أنها الأطهار وذهب جماعة من السلف كالخلفاء الأربعة وبن مسعود وطائفة كثيرة من الصحابة والتابعين إلى أنها الحيض وبه قال أئمة الحديث وإليه رجع أحمد ونقل عنه أنه قال كنت أقول إنها الأطهار وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض وهو قول الحنفية وغيرهم واستدلوا بأنه لم يستعمل القرء في لسان الشارع إلا في الحيض لقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن وهذا هو الحيض والحمل لأن المخلوق في الرحم هو أحدهما وبهذا فسره السلف والخلف وقوله صلى الله عليه وسلم دعي الصلاة أيام أقرائك ولم يقل أحد أن المراد به الطهر ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وأبو داود في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة وسيأتي وأجاب الأولون عن الآية بأن الآية أفادت تحريم كتمان ما خلق الله في أرحامهن وهو الحيض أو الحبل أو كلاهما ولا ريب أن الحيض داخل في ذلك ولكن تحريم كتمانه لا يدل على أن القرء المذكور في الآية هو الحيض فإنها