قال ومن سلك ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين فإنهم كانوا يلبسون الثياب الجديدة قبل غسلها وحال الثياب في ذلك في أعصارهم كحالها في عصرنا بلا شك ثم قال أرأيت لو أمرت بغسلها أكنت تأمن في غسلها أن يصيبها مثل هذه النجاسة المتوهمة فإن قلت أنا أغسلها بنفسي فهل سمعت في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة أنهم وجهوا على الإنسان على سبيل الإيجاب أو الندب أو الاحتياط غسل ثوبه بنفسه احترازا من أوهام النجاسة فرع قال أبو محمد في التبصرة نبغ قوم يغسلون أفواهم إذا أكلوا خبرا ويقولون الحنطة تداس بالبقر وهي تبول وتروث في المداسة أياما طويلة ولا يكاد يخلو طحين ذلك عن نجاسته قال وهذا مذهب أهل الغلو والخروج عن عادة السلف فإنا نعلم أن الناس في الأعصار السالفة ما زالوا يدوسون بالبقر كما يفعل أهل هذا العصر وما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسائر ذوي التقوى والورع أنهم رأوا غسل الفم من ذلك هذا كلام الشيخ أبي محمد قال الشيخ أبو عمرو والفقه في ذلك أن ما في أيدي الناس من القمح المتنجس بذلك قليل جدا بالنسبة إلى القمح السالم من النجاسة فقد اشتبه إذن واختلط قمح قليل نجس بقمح طاهر لا ينحصر ولا منع من ذلك بل يجوز التناول من أي موضع أراد كما لو اشتبهت أخته بنساء لا ينحصرن فله نكاح من شاء منهن وهذا أولى بالجواز وفي كلام الأستاذ أبي منصور البغدادي في شرحه للمفتاح إشارة إلى أنه إن تعين ما سقط الروث عليه في حال الدراس فمعفو عنه لتعذر الاحتراز عنه فرع قال الشيخ أبو محمد في التبصرة لو أصاب ثوبه أو غيره شيء من لعاب الخيل والبغال والحمير وعرقها جازت صلاته فيه قال لأنها وإن كانت لا تزال تتمرغ في الأمكنة النجسة وتحك بأفواهها قوائمها التي لا تخلو من النجاسة فإنا لا نتيقن نجاسة عرقها ولعابها لأنها تخوض الماء الكثير وتكرع فيه كثيرا فغلبنا أصل الطهارة في لعابها وعرقها قال ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر المسلمين بعدهم يركبون الخيل والبغال والحمير