الإشراف على غوامض الحكومات وهذه الإطلاق الذي ذكروه ليس على ظاهره ولم يريدوا حقيقة الإطلاق فإن لنا مسائل يعمل فيها بالظن بلا خلاف بشهادة عدلين فإنها تفيد الظن ويعمل بها بالإجماع ولا ينظر إلى أصل براءة الذمة وكمسألة بول الحيوان وأشباهها ومسائل يعمل فيها بالأصل بلا خلاف كمن ظن أنه طلق أو أحدث أو أعتق أو صلى أربعا لا ثلاثا فإنه يعمل فيها كلها باوصل وهو البقاء على الطهارة وعدم الطلاق والعتق والركعة الرابعة وأشباهها بل الصواب في الضابط ما حرره الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح فقال إذا تعارض أصلان أو أصل وظاهر وجب النظر في الترجيح كما في تعارض الدليلين فإن تردد في الراجح فهي مسائل القولين وإن ترجح دليل الظاهر حكم به كإخبار عدل بالنجاسة وكبول الظبية وإن ترجح دليل الأصل حكم به بلا خلاف هذا كلام أبي عمرو قال إمام الحرمين ما يتردد في طهارته ونجاسته مما أصله الطهارة ثلاثة أقسام أحدها ما يغلب على الظن طهارته فالوجه الأخذ بطهارته ولو أراد الإنسان طلب يقين الطهارة فلا حرج بشرط أن لا ينتهي إلى الوسواس الذي ينكد عيشه ويكدر عليه وظائف العبادات فإن المنتهي إلى ذلك خارج عن مسالك السلف الصالحين قال والوسوسة مصدرها الجهل بمسالك الشريعة أو نقصان في غريزة العقل القسم الثاني ما استوى في طهارته ونجاسته التقديران فيجوز الأخذ بطهارته ولو تركه الإنسان كان محتاطا الثالث ما يغلب على الظن نجاسته ففيه قولان للشافعي أحدهما طهارته والثاني نجاسته قلت هذا الذي أطلقه من القولين ليس على إطلاقه بل هو على ما سبق تفصيله والله أعلم فرع اعلم أن للشيخ أبي محمد الجويني رحمه الله كتاب التبصرة في الوسوسة وهو كتاب نافع كثير النفائس وسأنقل منه مقاصده إن شاء الله تعالى في مواضعها من هذا الكتاب واشتد إنكار الشيخ أبي محمد في كتابه هذا على من لا يلبس ثوبا جديدا حتى يغسله لما يقع ممن يعاني قصر الثياب وتجفيفها وطيها من التساهل وإلقائها وهي رطبة على الأرض النجسة ومباشرتها لما يغلب على القلب نجاسته ولا يغسل بعد ذلك قال وهذه طريقة الحرورية الخوارج ابتلوا بالغلو في غير موضعه وبالتساهل في موضع الاحتياط