أصحابنا نبه صلى الله عليه وسلم على أن الأصل واليقين لا يترك حكمه بالشك وهذه قاعدة مطردة لا يخرج منها إلا مسائل يسيرة لأدلة خاصة على تخصيصها وبعضها إذا حقق كان داخلا فيها وسأذكرها الآن إن شاء الله تعالى فعلى هذه القاعدة لو كان معه ماء أو مائع آخر من لبن أو عسل أو دهن أو طبيخ أو ثوب أو عصير أو غيرها مما أصله الطهارة وتردد في نجاسته فلا يضر تردده وهو باق على طهارته وسواء كان تردده بين الطهارة والنجاسة مستويا أو ترجح احتمال النجاسة إلا على قول ضعيف حكاه الخراسانيون أنه إذا غلب على ظنه النجاسة حكم بها والصحيح ما سبق وكذا لو شك في طلاق أو عتق أو حدث أو طهارة أو حيض زوجته وأمته فله البناء على الأصل ولا يلزمه شيء هذا كله ما لم يستند الظن إلى سبب معين فإن استند كمسألة بول الحيوان في ماء كثير إذا تغير ومسألة المقبرة المشكوك في نبشها وثياب المتدينين باستعمال النجاسة وغير ذلك فلها أحكام معروفة ففي بعضها يعمل بالظاهر بلا خلاف كمسألة بول الحيوان وشهادة شاهدين فإنها تفيد الظن وتقدم على أصل براءة الذمة بلا خلاف وفي بعضها قولان كمسألة المقبرة ونحوها وقد ذكر المصنف في آخر باب آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة وجهين أحدهما أنه محكوم بنجاستها عملا بالظاهر والثاني بطهارتها عملا بالأصل وهذا الثاني هو الأصح عند الأصحاب قال جماعة من الأصحاب هذا الخلاف مبني على الخلاف في المقبرة المشكوك في نبشها قالوا ومأخذ الخلاف أنه تعارض أصل وظاهر فأيهما يرجح فيه هذا الخلاف وبالغ جماعات من الخراسانيين في التخريج على هذا فأجروا قولين في الحكم بنجاسة ثياب مدمني الخمر والقصابين وشبههم ممن يخالط النجاسة ولا يتصون منها مسلما كان أو كافرا وطردوها في طين الشوارع الذي يغلب على الظن نجاسته وأبعد بعضهم فطردها في ثياب الصبيان وزاد بعضهم فقال هل تثبت النجاسة بغلبة الظن فيه قولان والراجح المختار في هذا كله طريقة العراقيين وهي القطع بطهارة هذا أو شبهه وقد نص الشافعي على طهارة ثياب الصبيان في مواضع وذكر جماعة من متأخري أصحابنا الخراسانيين أن كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان ففيها قولان وممن ذكر هذه القاعدة القاضي حسين وصاحباه صاحب التتمة والقاضي أبو سعد الهروي في كتابه