فوطنه حيث حل وإن أحجوا عنه من موضع آخر فإن كان أقرب إلى مكة فهم ضامنون وإن كان بعد فلا ضمان عليهم لأن في الأول لم يحصل مقصوده بصفة الكمال والإطلاق يقتضي ذلك وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة وإن أوصى أن يحجوا عنه فأحجوا رجلا فسرقت نفقته في بعض الطريق فرجع عليهم أن يحجوا آخر من ثلث ما بقي في أيديهم من حيث أوصى الميت في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف إن بقي من ثلث ماله ما يمكن أن يحج به من حيث أوصى فكذلك الجواب في قول محمد إن لم يبق شيء من ثلث عزل للحج تبطل الوصية وعلى هذا الخلاف لو قال أعتقوا عني نسمة بمائة درهم فاشتروها فماتت قبل أن تعتق كان عليهم أن يعتقوا من ثلث ما بقي في أيديهم وفي قول محمد بطلت الوصية لأن الوصي قائم مقام الموصي والورثة كذلك يقومون مقام المورث في تنفيذ وصيته فكان تعيين الموصي والورثة بعض المال لوصيته كتعيين الموصي ولو عينه بنفسه فهلك ذلك المال بطلت الوصية فكذلك الوصي إذا عين ذلك المال لوصيته وقاسم الورثة ثم هلك بطلت الوصية والدليل عليه أن مقاسمة الوصي مع الموصى له على الورثة يصح فلأن تصح مقاسمته مع الورثة عن الموصى كان أولى لأن الموصي أقامه مقام نفسه باختياره والورثة ما أقاموه مقامهم باختيارهم وأبو يوسف يقول محل الوصية الثلث فمقاسمة الموصي مع الورثة في تمييز محل الميراث من محل الوصية تصح فأما مقاسمته في تمييز محل الوصية عن البعض لا يجوز فما بقي من الثلث شيء فقد بقي محل الوصية فيجب تنفيذ الوصية باعتبار ما بقي وهو نظير مقاسمة الوصي عن الصغير مع الكبير تصح ومقاسمته بين الصغار لتمييز نصيب بعضهم عن بعض لا تصح وأبو حنيفة يقول مقصود الموصي لم يكن المقاسمة وإنما كان لتحصيل القربة له بالعتق ويجعل الهالك على التركة كأن لم يكن فتنفذ الوصية في هذه القسمة من ثلث ما بقي وفيه جواب عما قاله محمد رحمه الله أن الوصي إنما يقوم مقام الموصي فيما فيه تحصيل مقصوده خاصة وهذا بخلاف مقاسمته مع الموصى له لأن فيه تحصيل مقصوده فإن مقصوده تنفيذ الوصية وفي هذه القسمة تنفيذ الوصية وهذه المسألة في الحقيقة نظير الأولى في المعنى فإن السفر كان مقصوده فيدور مع ذلك المقصود جعل ذلك أبو حنيفة وجوده كعدمه وها هنا التعيين والقسمة لمقصود فإذا لم يحصل ذلك المقصود كان وجود القسمة كعدمها ولو كان الموصي له بالثلث غائبا فقاسم الموصي الورثة على الموصى له لم تجز قسمته عليه حتى إذا هلك في يده ما عزله للموصى له