الظاهر أن ذلك مجزئ كان مقصودها أو لم يكن مقصودها وإذا أوصى بالحج فإنه يحج عنه من بلده لأنه لو عزم على الخروج بنفسه للحج كان يخرج من بلده ويتجهز لسفر الحج من بلده فكذلك إذا أوصى به بعد موته فالظاهر أن مقصوده تجهيز من يحج عنه من بلده وإن مات في الطريق فإن كان خرج للتجارة فإنه يحج عنه من بلده أيضا وإن خرج هو يريد الحج فمات في الطريق يحج عنه من حيث مات وفي الجامع ذكر القياس والاستحسان في المسألة ففي القياس يحج عنه من بلده وفي الاستحسان وهو قولهما يحج عنه من حيث مات .
وجه الاستحسان أنه باشر بعض العمل بنفسه ولم ينقطع ذلك بموته فيبنى عليه كما إذا وصى بإتمامه وبيان هذا أن خروجه على قصد الحج قربة وطاعة قال الله تعالى ! < ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله > ! الآية ولم ينقطع ذلك بموته لما روي أن النبي عليه السلام قال من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة وهذا بخلاف ما إذا خرج للتجارة فإن سفره ذلك ليس لأداء الحج فلا يصير به مؤديا شيئا من الأعمال وبخلاف ما إذا مات بعد ما أحرم لأن إحرامه انقطع بالموت ولهذا يخمر وجهه ورأسه ولا يمكن البناء على المنقطع .
يوضحه أن في اعتبار هذا الطريق تحصيل مقصوده وفي الأخذ بالقياس تفويت مقصوده لأن الذي يحج عنه من بلده ربما يموت فيحتاج إلى أن يحج آخر من بلده أيضا حتى يفنى في ذلك ماله قبل أن يحصل مقصوده .
وجه قول أبي حنيفة أن عمله قد انقطع بموته ولا بناء على المنقطع كما لو أحرم ثم مات وأوصى أن يحج عنه وبيان هذا من وجهين أحدهما أن النبي عليه السلام قال كل عمل بن آدم ينقطع بموته إلا ثلاثة والخروج للحج ليس من هذه الثلاثة فينقطع بالموت ثم خروجه إنما يكون قربة بطريق موصل إلى أداء الحج وقد تبين أن هذا الخروج ما كان يوصله إلى ذلك والدليل عليه أنه ظهر بموته أن سفره كان سفر الموت لا سفر الحج لما روي أن النبي عليه السلام قال إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فكان هذا في المعنى وخروجه للتجارة سواء ثم هناك يحج عنه من بلده فهنا كذلك وإن كان له أوطان مختلفة فمات وهو مسافر وأوصى بالحج عنه فإنه يحج عنه من أقرب الأوطان إلى مكة لأنه هو المتيقن به وبمطلق اللفظ لا يثبت إلا بالتيقن بما هو كامل في نفسه لأن الإطلاق يقتضي الكمال فإن لم يكن له وطن فمن حيث مات لأنه لو تجهز بنفسه للحج إنما يتجهز من حيث هو فكذلك إذا أوصى وهذا لأن من لا وطن له