الخصوم وهذا أيضا في المدرس كذلك وإليه أشار النبي في قوله إن النفس تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها ظرائف الحكمة .
وأن بن عباس رضي الله عنهما كان إذا مل من بيان أنواع العلم قال لأصحابه اخصموا أي خوضوا في ديوان العرب فتذكروا شيئا من الملح قال ولكنه يعقد في طرفي النهار أو ما أطاق من ذلك لأن عمل القضاء عبادة فالأولى أن يجلس له في طرفي النهار قال الله تعالى ! < وأقم الصلاة طرفي النهار > ! 114 ولأن اعتدال حال المرء يكون في طرفي النهار عادة أو ما أطاق من ذلك لأن الطاعة بحسب الطاقة ولكن لا ينبغي أن يتبكر للخصومة قبل طلوع الشمس فقد كان شريح رحمه الله إذا ابتكروا قبل حضوره قال أتتظلمون بالليل فعرفنا أن ذلك غير محمود للقاضي .
( قال ) ( وينبغي للقاضي أن يقدم النساء على حدة والرجال على حدة ) لأن الناس يزدحمون في مجلسه وفي اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة من الفتنة والقبح ما لا يخفى ولكن هذا في خصومة يكون بين النساء فأما الخصومة التي تكون بين الرجال والنساء لا يجد بدا من أن يقدمهن مع الرجال وأن يجعل لكل فريق يوما على قدر ما يرى من كثرة الخصوم فلا بأس بذلك لأنه إذا تركهم يزدحمون على بابه وربما يقتتلون على ذلك وفيه من الفتنة ما لا يخفى فيجعل ذلك مناوبة بينهم بالأيام ليعرف كل واحد يوم نوبته فيحضر عند ذلك .
والحصاف رحمه الله ذكر في أدب القاضي أن الأولى أن يجعل ذلك على الرقاع فيجزئ الخصوم أجزاء ويكتب باسم كل فريق رقعة ثم يخرج الرقاق على الأيام للسبت والأحد إلى آخره وذلك حسن .
ولكن محمدا رحمه الله اختار في الكتاب أن يقدم الناس على منازلهم الأول فالأول ولا يبتدئ بأحد جاء قبله غيره وإلى هذا أشار النبي في قوله سبقك بها عكاشة وهذا لأن الذي جاء أولا استحق النظر في حجته أن لو كان القاضي جالسا عند ذلك فتأخر جلوس القاضي لا يغير استحقاقه ولا يبطل بحضور غيره فلهذا تقدمه عملا بقوله تعالى ! < ويؤت كل ذي فضل فضله > ! 3 .
( قال ) ( ويضع على ذلك أمينا من قبله يقدمهم إليه ) لأنه لا يتمكن من يعرف ذلك بنفسه لكثرة أشغاله وفيما يعجل القاضي عن مباشرته يستعين بأمين من أمنائه وينبغي أن يبتكر ذلك الأمين إلى باب مجلس القاضي ليعلم منازل الناس في الحضور فلعلهم يكذبون في ذلك أو أن يلبسون عليه وإنما يجعل على ذلك أمينا لا يطمع ولا يرتشى فإن ذلك من عمل القضاة فكما لا يطمع هو فيما يقضي فكذلك