قال إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد فلا يدري لعله يريد أن يدعو فيسب نفسه .
ثم يقبل على القضاء وهو متفرغ له مستمع غير معجل للخصوم عن حجتهم لأن الاستعجال يضر بالخصم كما أن ترك النظر فيما يقيم من الحجة يضربه فكل واحد منهما من نوع الشر والأضرار وقد روينا أن القاضي لا يشار ولا يضار قال ولا يخوفهم فإن الخوف مما يقطع حجة الرجل يعنى أن الخائف يعجز عن إظهار حجته وينبغي أن يكون القاضي مهيبا يحتشم منه ولكن لا ينبغي أن يكون مخيفا للناس يخافونه فإن ذلك يمنعهم من إظهار الحق بالحجة والأصل في ذلك ما روى أن النبي صلى صلاة الفجر بمسجد الخيف فرأى رجلين لم يصليا معه فقال علي بهما فأتى بهما وفرائصهما ترتعد فقال لا تخافا فإنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد الحديث .
( فإن قيل ) أليس أنه ذكر في سيرة عمر رضي الله عنه أن الناس كانوا يهابونه حتى قيل لابن عباس رضي الله عنهما لم لم يذكر قولك في القول لعمر فقال كان رجلا مهيبا فهبته أو قال خفت درته .
( قلنا ) هذا لا يكاد يصح فإن عمر رضي الله عنه كان ألين من غيره في قبول الحق وكان يشاورهم وربما كان يقدم قول بن عباس رضي الله عنهما في الأخذ عند الشورى على قول بعض الكبار من الصحابة رضوان الله عليهم .
ثم كون القاضي مهيبا غير مذموم عندنا وإنما المذموم أن يتكلف لتخويف الخصوم إذا تقدموا بين يديه ولم ينقل ذلك عن عمر رضي الله عنه ولا عن غيره وإن كان خيرا للقاضي أن يقعد عنده أهل الفقه فقعدوا عنده فربما يحتاج إلى أن يستشيرهم .
وقد روينا أن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك وربما يخفى عليه بعض ما يقف عليه غيره من أهل الفقه فينبهه عليه وربما يحتاج إلى أن يشهدهم فيكون أهل الفقه والصلاح عنده من نوع الاحتياط فإن دخله حصر في قعودهم عنده أو شغله ذلك عن شيء من أمور المسلمين جلس وحده لأن طباع الناس في هذا تختلف فمنهم من يمنعه حشمة الفقهاء مما يريده من فصل القضاء ومنهم من يزداد قوة على ذلك والمقصود هو النظر للمسلمين .
فإذا كان هو ممن يدخله حصر بحضرة الفقهاء جلس وحده ولكن إنما يتمكن من ذلك إذا كان معروفا بالفقه والعدالة فبالفقه يؤمن غلطه وبالعدالة يؤمن جوره .
( ولا ينبغي للقاضي أن يتعب نفسه في طول الجلوس ) لأن بذلك يزول اعتدال الحال وقد بينا أنه لا ينظر في الحجج إلا عند اعتدال الحال .
( قال ) ( فإني أتخوف عليه أن يضر ذلك بنظره في الحجج والخصوم ) يعنى إذا أتعب نفسه ربما لا يفهم بعض كلام الخصوم وربما يضجر بسببه على بعض