اعتقادا والإلزام في قول الحرين لا ينبني على الإلزام اعتقادا حتى كان ملزما فيما لا يكون المرء معتقدا له فعرفنا أن في خبرهما زيادة إلزام فالترجيح بقوة السبب صحيح قال ألا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه شهد عنده المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الجدة أم الأم السدس فقال ائت معك بشاهد آخر فجاء بمحمد بن سلمة فشهد على مثل شهادته فأعطاها أبو بكر رضي الله عنه السدس وهذا من أمر الدين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد عنده أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أستأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال ائتيت معك بشاهد آخر فشهد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه على مثل شهادته قال محمد فهذا إنما فعلاه للاحتياط والواحد يجزى وكان عيسى بن آبان يقول بل إنما طلبنا شاهدا آخر على طريق الشرط لأن طمانينة القلب تحصل بقول المثنى دون الواحد ولم يكن في ذلك الوقت ضرورة في الاكتفاء بخبر الواحد لكثرة الرواة فأما في زماننا فقد تحقق معني الضرورة في الاكتفاء بخبر الواحد والأصح ما أشار إليه محمد رحمه الله تعالى أنهما طلبا ذلك للاحتياط وكانا يقبلان ذلك وإن لم يشهد شاهد آخر ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قبل شهادة عبد الرحمن بن عوف حين شهد عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحى نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ولم يطلب شاهدا آخر وأجاز قول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في الطاعون حين أراد أن يدخل الشام وبها الطاعون فاستشارهم فأشار عليه بعض المهاجرين بالدخول فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أتفر من قدر الله فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا وقع هذا الرجز بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فأخذ عمر رضي الله عنه بقوله ورجع وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في مشكل الآثار هذا الحديث فقال تأويله أنه إذا كان بحال لو دخل فابتلى وقع عنده أنه ابتلى بدخوله ولو خرج فنجى وقع عنده أنه نجى بخروجه فلا يدخل ولا يخرج صيانة لاعتقاده فأما إذا كان يعلم أن كل شيء بقدر وأنه لا يصيبه إلا ما كتب الله تعالى فلا بأس بأن يدخل ويخرج واستدل محمد رحمه الله تعالى أيضا بحديث عمر رضي الله عنه فإنه كان لا يورث المرأة من دية زوجها حتى شهد عنده الضحاك بن سفيان الكلابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها أشيم فأخذ بقوله