وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى قيصر بكتابه يدعوه إلى الإسلام فكان حجة عليه فهذا كله دليل أن خبر الواحد في أمر الدين كان ملزما في ذلك الوقت كما هو اليوم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كنت إذا لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فحدثني به غيره استحلفته على ذلك وحدثني أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصدق أبو بكر وهذا مذهب تفرد به علي رضي الله عنه فإنه كان يحلف الشاهد ويحلف المدعي مع البينة ويحلف الراوي ولم يتبع ذلك فكأنه كان يقول إن خبره يصير مزكى بيمينه كالشهادات في باب اللعان من كل واحد من الزوجين حتى تصير مزكاة باليمين ومن لم يعصم عن الكذب لا يكون خبره حجة ما لم يصر مزكى بيمينه إلا أبو بكر رضي الله عنه فإن تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه الصديق كاف في جعل خبره مزكى ولسنا نأخذ بهذا القول لأن الله تعالى أمرنا باستشهاد شاهدين وبطلب العدالة في الشهود فاشتراط اليمين مع ذلك يكون زيادة على ما في الكتاب وقد وقعت الدعاوى والخصومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه حلف أحدا من الشهود ولا حلف المدعى مع البينة ولا يجوز أن يقال إنهم قد تركوا نقله لأن هذا لا يظن بهم خصوصا فيما تعم البلوى فقد نقلوا كل ما دق وجل من أقواله وأفعاله .
( قال ) ( وبلغنا أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو طلحة كانوا يشربون شرابا لهم من الفضيخ فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إليها فكسرتها حتى اهراق ما فيها ) ولو لم يكن خبر الواحد حجة ما وسعهم ذلك لما فيه من إضاعة المال وتأويل كسر الجرار أن الخمر كانت تشرب فيها فلا تصلح للانتفاع بها بوجه آخر وكان ذلك لإظهار الانقياد وتحقيق الانزجار عن العادة المألوفة وعلى هذا يحمل ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكسر الدنان وشق الروايا وذكر حديث عكرمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة أعرابي وحده على رؤية هلال رمضان حين قدم المدينة فأخبرهم بأنه رآه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصوموا بشهادته فهذا يدل على أن شهادة الواحد في الدين مقبولة ولا يقبل في هلال الفطر أقل من شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين والكلام في هذا الفصل قد بيناه في كتاب الصوم وذكر بن سماعة في نوادره قال قلت لمحمد فإذا قبلت شهادة الواحد في هلال رمضان وأمرت بالصوم ثلاثين يوما ولم يروا