أن خبره عد خبرا لما نهاه عن ذلك وعمرو بن العاص بالسؤال قصد الأخذ بالاحتياط وقد كره عمر رضي الله تعالى عنه لوجود دليل الطهارة باعتبار الأصل فعرفنا أنه ما بقي هذا الدليل فلا حاجة إلى احتياط آخر وإن كان الذي أخبره بنجاسة الماء رجل من أهل الذمة لم يقبل قوله لا لأن الكفر ينافي معنى الصدق في خبره ولكن لأنه ظهر منهم السعى في إفساد دين الحق قال الله تعالى ! < لا يألونكم خبالا > ! 118 أي لا يقصرون في إفساد أمركم فكان متهما في هذا الخبر فلا يقبل منه كما لا تقبل شهادة الولد لوالده لمعنى التهمة يقول فإن وقع في قلبه أنه صادق فأحب إلى أن يريق الماء ثم يتيمم وإن توضأ به وصلى أجزأه وفي خبر الفاسق قال وإذا وقع في قلبه أنه صادق تيمم ولا يتوضأ به وهذا لأن الفاسق أهل للشهادة ولهذا نفذ القضاء بشهادته فيتأيد ذلك بأكبر رأيه وليس الكافر من أهل الشهادة في حق المسلم يوضحه أن الكافر يلزم المسلم ابتداء بخبره ولا يلتزم ولا ولاية له على المسلم فأما الفاسق المسلم يلتزم وهو من أهل الولاية على المسلم .
( قال ) ( وكذلك الصبي والمعتوه إذا عقلا ما يقولان ) من أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول مراده بهذا العطف أن الصبي كالبالغ إذا كان مرضيا ولأنه كان في الصحابة رضي الله تعالى عنهم من سمع في صغره ولو روى كان مقبولا منه وكما سقط اعتبار الحرية والذكورة يسقط اعتبار البلوغ كما في المعاملات والأصح أن مراده العطف على الذمي وإن خبر الصبي والمعتوه في هذا كخبر الذمي لأنهما لا يلتزمان شيئا ولكن يلزمان الغير ابتداء فإنهما غير مخاطبين فليس لهما ولاية الإلزام فكان خبرهما في معنى خبر الكافر رجل دخل على قوم من المسلمين يأكلون طعاما ويشربون شرابا فدعوه إليه فقال رجل مسلم ثقة قد عرفه هذا اللحم ذبيحة مجوسى وهذا الشراب قد خالطه الخمر وقال الذين دعوه إلى ذلك ليس الأمر كما قال وهو حلال فإنه ينظر إلى حالهم فإن كانوا عدولا لا يلتفت إلى قول ذلك الواحد لأن خبر الواحد لا يعارض خبر الجماعة فإن خبر الجماعة حجة في الديانات والأحكام وخبر الواحد لبس بحجة في الأحكام ولأن الظاهر من حال المسلمين أنهم لا يأكلون ذبيحة المجوسى ولا يشربون ما خالطه الخمر فخبر الواحد في معارضة خبرهم خبر مستنكر فلا يقبل وإن كانوا متهمين أخذ بقوله ولم يسعه أن يقرب شيئا من ذلك لأن خبره باعتبار حالهم مستقيم صالح ولا معتبر بخبرهم لفسقهم في حكم العمل به ولأن خبر العدل بالحرمة يريبه في هذا الموضع باعتبار حالهم وقال صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك