دليل آخر يعمل به سوى الخبر وهو أن الأصل في الماء الطهارة .
( فإن قيل ) أليس أن خبر الفاسق لا يقبل في رواية الأخبار وليس هناك دليل سوى الخبر .
( قلنا ) الضرورة هناك لا تتحقق لأن في العدول الذين يروون ذلك الخبر كثرة يوضح الفرق أن الخبر في المعاملات غير ملزم فيسقط فيه اعتبار شرط العدالة وفي الديانات الخبر ملزم فلا بد من اعتبار شرط العدالة فيه وكذلك إن كان مستورا فالحق المستور في ظاهر الرواية بالفاسق وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال المستور في هذا الخبر كالعدل وهو ظاهر على مذهبه فإنه يجوز القضاء بشهادة المستورين إذا لم يطعن الخصم ولكن الأصح ما ذكره لأنه لا بد من اعتبار أحد شرطي الشهادة ليكون الخبر ملزما وقد سقط اعتبار العدد فلم يبق إلا اعتبار العدالة فإذا ثبت أن العدالة شرط قلنا ما كان شرطا لا يكتفي بوجوده ظاهرا كمن قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ثم مضي اليوم فقال العبد لم أدخل وقال المولى دخلت فالقول قول المولى لأن عدم الدخول شرط فلا يكتفي بثبوته ظاهرا لنزول العتق وكذلك إن كان المخبر عبدا لأن في أمور الدين خبر العبد كخبر الحر كما في رواية الأخبار وهذا لأنه يلزم نفسه ثم يتعدي منه إلى غيره فلا يكون هذا من باب الولاية على الغير وبالرق يخرج من أن يكون أهلا للولاية فأما فيما هو إلزام يسوى بين العبد والحر لكونه مخاطبا وكذلك إن كان المخبر امرأة حرة أو أمة كما في رواية الأخبار وهذا لأنها تلتزم كالرجل ثم يتعدى إلى غيرها ورواية النساء من الصحابة رضى الله عنهم كانت مقبولة كرواية الرجال قال صلى الله عليه وسلم تأخذون شطر دينكم من عائشة رضي الله عنها ثم بين في الفاسق والمستور أنه يحكم رأيه فإن كان أكبر رأيه أنه صادق تيمم ولا يتوضأ به لأن أكبر الرأى فيما بني على الاحتياط كاليقين وإن أراقه ثم تيمم كان أحوط وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب توضأ به ولم يتيمم .
( فإن قيل ) كان ينبغي أن يتيمم احتياطا لمعنى التعارض في خبر الفاسق كما قلنا في سؤر الحمار أنه يجمع بين التوضؤ وبين التيمم لتعارض الأدلة في سؤر الحمار .
( قلنا ) حكم التوقف في خبر الفاسق معلوم بالنص وفي الأمر بالتيمم هنا عمل بخبره من وجه فكان بخلاف النص ولما ثبت التوقف في خبره بقى أصل الطهارة للماء فلا حاجة إلى ضم التيمم إليه واستدل بحديث عمر رضي الله تعالى عنه حين ورد ماء حياض مع عمرو بن العاص فقال عمرو لرجل من أهل الماء أخبرنا عن السباع أترد ماءكم هذا فقال عمر رضي الله عنه لا تخبرنا عن شيء فلولا