قال في البحر والجهالة فيه إن كانت تفضي إلى المنازعة كوقوعها فيما يحتاج إلى التسليم منعت صحته وإلا لا فبطل إن كان المصالح عليه أو عنه مجهولا لا يحتاج إلى التسليم كصلحه بعد دعواه مجهولا على أن يدفع له مالا ولم يسمه ا ه .
أقول لكن في قوله جامع الفصولين ولا بد من بيانه نظر لأن المال بالصورة معلوم بدليل قوله أول عبارته ادعى عليه مالا معلوما والظاهر أن لفظ معلوما زائد حتى يتم المراد تأمل .
قوله ( كحق شفعة ) يعني إذا صالح المشتري الشفيع عن الشفعة التي وجبت له على شيء على أن يسلم الدار للمشتري فالصلح باطل إذ لا حق للشفيع في المحل سوى حق التمليك وهو ليس بأمر ثابت في المحل بل هو عبارة عن ولاية الطلب وتسليم الشفعة لا قيمة له فلا يجوز أخذ المال في مقابلته كما في الدرر وأطلقه .
وهو على ثلاثة أوجه أن يصالح على دراهم معلومة على أن يسلم الدار للمشتري وأن يصالح على بيت معين منها بحصته من الثمن وأن يصالح على نصف الدار بنصف الثمن ففي الأولين يبطل الصلح وكذا الشفعة في الأول ويصح الصلح في الثالث والشفعة لا تبطل فيه وفي الثاني كما في المبسوط وغيره فظهر أن المرد بقول الدرر على شيء دراهم معلومة ونحوها .
قوله ( وحد قذف ) بأن قذف رجلا فصالحه على مال على أن يعفو عنه لأنه وإن كان للعبد فيه حق فالغالب فيه حق الله تعالى والمغلوب ملحق بالمعدوم وكذلك لا يجوز الصلح عن حق الله تعالى ولو ماليا كالزكاة ولا حد الزنا والسرقة وشرب الخمر بأن أخذ زاينا أو سارقا من غيره أو شارب خمر فصالحه على مال على أن لا يرفعه إلى ولي الأمر لأنه حق الله تعالى ولا يجوز عنه الصلح لأن المصالح بالصلح يتصرف إما باستيفاء كل حقه أو استيفاء بعضه وإسقاط الباقي أو بالمعاوضة وكل ذلك لا يجوز في غير حقه كما في الدرر .
وإنما لا يجوز الصلح عن حقوقه تعالى لأن الأصل فيه أن الاعتياض عن حق الغير لا يجوز والحدود المشروعة لما كانت حقا لله تعالى خالصا أو غالبا فلا يجوز لأحد أن يصالح على شيء في حق الله تعالى والمراد من حق الله تعالى ما يتعلق به النفع العام لأهل العالم فلا يختص به أحد كحرمة الزنا فإن نفعه عائد إلى جميع أهل العالم وهو سلامة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع السيف بين العشائر بسبب التنازع بين الزناة ولذلك لا يباح الزنا بإباحة المرأة أو أهلها وإنما نسب إلى الله تعالى مع أن النفع عائد إلى العباد تعظيما لأنه متعال عن أن ينتفع بشيء ولا يجوز أن يكون حقا له بجهة التخليق لأن الكل سواء في ذلك كذا في شرح المنار لجلال الدين .
قوله ( وكفالة بنفس ) الوجه فيه كالوجه في سابقه وقدمنا الكلام عليها قريبا وقيد الكفالة بكفالة النفس لأنه لو صالحه عن كفالة المال يكون إسقاطا لبعض الدين عنه وهو صحيح .
قوله ( ويبطل به الأول ) أي حق الشفعة لرضا الشفيع بسقوط حقه .
قوله ( والثالث ) أي كفالة النفس كما قدمناه لرضا الطالب بسقوط حقه .
قوله ( وكذا الثاني ) أي حد القذف .
قوله ( لو قبل الرفع للحاكم ) ظاهره أنه يبطل الصلح أصلا وهو الذي في الشرنبلالية عن قاضيخان فإنه قال بطل الصلح وسقط الحد إن كان قبل أن يرفع إلى القاضي وإن كان بعده لا يبطل الحد وقد سبق أنه إنما سقط بالعفو لعدم الطلب حتى لو عاد وطلب حد .
وقال في الأشباه لا يصح الصلح عن الحد ولا يسقط به حد القذف إن كان قبل المرافعة كما في الخانية .
قال البيري أي فإن الحد يسقط وإن كان الصلح لم يجز .
أما إذا كان بعد المرافعة فلا يسقط .
أقول هذا الذي في الخانية ينافي ما ذكره في الإيضاح بأن له أن يطالب بعد العفو والصلح عن ذلك