@ 214 @ الشرع ، وهذا أحسن ، أو متعين هنا ، إذ لو كان خبراً بمعنى الأمر لكان التقدير : إذا كان عشرون صابرون فليغلبوا ؛ فيكون التكليف إنما هو للصابر فقط ، والصبر واجب على المكلف ، لا شرط في التكليف ، وأيضاً فيكون أمراً بالغلبة من الله تعالى ، فإذاً المعنى المقرر في حكم الشرع أن المائة الصابرة تغلب مائتين فلتصبر ، وحيث غلبت المائة من المائتين فلعدم صبرها . .
3457 وقد بين ذلك وفسره ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت 19 ( { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } ) كتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، ولا عشرون من مائتين ، ثم نزلت 19 ( { الآن خفف الله عنكم } ) الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين . رواه البخاري ، وله أيضاً في رواية ، ولأبي داود قال : لما نزلت 19 ( { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } ) شق ذلك على المسلمين ، فنزلت 19 ( { الآن خفف الله عنكم } ) الآية ، قال : فلما خفف الله عنهم من العدة نقص عنهم من الصبر بقدر ما خفف عنهم . .
3458 ويروى عنه أيضاً أنه قال : من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر . .
وعلى هذا يحمل ما ورد من النهي المطلق عن تحريم الفرار يوم الزحف ، كقوله تعالى : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً } ) الآية . .
3459 وقول النبي : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) قالوا : وما هن يا رسول الله ، قال : ( الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) متفق عليه . ( ويستثنى ) من تحريم الفرار من المثلين فما دون ( الفرار للتحرف ) لمصلحة قتال بأن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ، كما إذا كان في مقابلة الشمس ، أو الريح فاستدبرهما ، أو كان في وهدة أو في معطشة ، فانحاز إلى علو أو إلى ماء ، أو استند إلى جبل ، أو نفر بين أيدي الكفار لتنتقض صفوفهم ، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب ، أو ( الفرار للتحيز ) إلى فئة من المسلمين ، ليتقووا بها على عدوهم ، وإن بعدت الفئة ، حتى قال القاضي : لو كانت الفئة بخراسان ، والفئة بالحجاز جاز التحيز إليها ، وذلك لقوله تعالى : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة } ) الآية .