@ 139 @ الجزاء ، سداً للذريعة ، وحسماً للمادة ، ثم إن صاحب الشرع لم يذكر القتل أو القطع فقط في مقابلة مجرد المحاربة ، وإنما خير بين عقوبات ، والأمر في ذلك موكول إلى الأئمة والحكام الذين عليهم إقامة الحدود ، وتخييرهم تخيير مصلحة ، لا تخيير استشفاء ، فهم لا يفعلون إلا ما يرون أنه أصلح ، فإذا رأوا توزيع العقوبات على قدر الإجرام وجب ذلك عليهم ، وإن رأوا أن هذا المحارب وإن لم يقتل لا يندفع شره إلا بالقتل ، ككبير محاربين يجمعهم قوله ، ويفرقهم عدمه ، ونحو ذلك وجب قتله ، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فيسأل أولاً عن صحة سنده ، فإن صح فهو معارض بنص القرآن اه . .
( وعن أحمد ) رواية أخرى أن من قتل وأخذ المال يقتل لقتله ، ويقطع لأخذه المال ، لأن كلاً منهما لو انفرد لأوجب ذلك ، فإذا اجتمعا وجبا معاً كالزنا والسرقة . .
( وعنه ) أيضاً فيمن قتل ولم يأخذ المال أنه يصلب مع القتل ، والمذهب الأول . .
وقول الخرقي : قتل وإن عفى صاحب المال : يعني أنه يقتل حتماً ، ولا يدخله العفو ، قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، وذلك لأنه أجري مجرى الحدود ، فلم يدخله العفو كبقيتها ، ولهذا قلنا على إحدى الروايتين : لا يعتبر التكافؤ بين القاتل والمقتول ، بل يؤخذ الحر بالعبد ، والمسلم بالذمي ، والأب بالابن ، واعتبرناه على أخرى ، نظراً إلى أن الحد فيه انحتامه بدليل أنه لو تاب قبل القدرة سقط الانحتام ، وبقي القصاص . .
ولعموم قول النبي : ( لا يقتل مسلم بكافر ) . فعلى هذه إذا فاتت المكافأة قطعت يده ورجله إن كان قد أخذ المال ، وإلا نفي ، وأغرم دية الذمي أو قيمة العبد ، وهذا اختيار أبي الخطاب ، والشريف والشيرازي وغيرهم ، وهو أمشى على قاعدة المذهب . .
وقوله : وصلب حتى يشتهر ، هذا أحد الوجهين ، واختيار أبي محمد ، وأبي الخطاب ، وشيخه في الجامع . .
وقال : إنه ظاهر كلام أحمد ، لأن المقصود من الردع للغير والزجر إنما يحصل بذلك . ( والثاني ) وقاله أبو بكر : يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب ، اعتماداً منه على أن أحمد لم يوقت الصلب ، . .
ونظراً إلى إطلاق الآية الكريمة ، وظاهر كلام الخرقي أن صلبه بعد قتله ، وهو كذلك ، إذ هو تتمة للحد ، وكمال له ، ولهذا قلنا : إذا مات قبل أن يقتله ، أو قتل لغير المحاربة لم يصلب على أشهر الوجهين ، إذ الحد قد فات بموته ، كبقية المحدودين ، وإنما قطعت يمنى يدي من أخذ المال لما تقدم في السارق ، وإنما قطعت يسرى رجليه لتتحقق المخالفة المأمور بها ، وإنما حسمتا لما تقدم في السارق .