( 53 ) والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها " (1). ويجب الحذر والتحرز تجاه أسباب النزول، فلا تؤخذ على علاتها، بل يجب عرضها على القرآن نفسه، فما وافق القرآن أخذ به، وما عارض القرآن طرح، فهناك التناقض الكثير في بعض الروايات، وهناك القصص الخرافي في جانب منه، وهناك الإسرائيليات المطولة التي لا يحتملها النص القرآني، بل وهناك ما لا يوحي بالسبب فيسمى سببا، وقد يطلق في هذا الضوء السبب على اللازم والمتعلق وهو غير السبب، وقد يطلق السبب على ما يعتبر من باب الجري وقبيل الانطباق وليسا من الأسباب. ولو سلمت أسباب النزول من هذه الثغرات، لكانت خير منار لتتبع كثير من تأريخية النزول على أتم وجه، وأفضل سبيل للكشف عن كثير من الحالات النفسية، والقابليات العقلية التي عليها القوم. إن هذا الجانب غني ببحوث القدامى، فقد أفاض به كل من الواحدي والزركشي والسيوطي وأضرابهم، ونقلوا فيه آراء السلف، ولسنا بحاجة إلى نقدها ولا إلى سردها (2). والحق أن تعيين أسباب النزول يعين كثيرا على معرفة المكي من المدني في وجه من الوجوه لارتباطه بالأحداث والتأريخ والأشخاص ولكن أغلب ذلك في الآيات لا في السور، والروايات فيه متضاربه ومتعارضة. وتأريخية النوزل تقتضي أن نعطي تقسيما للسور المكية والسور المدنية، وقد سبق أن أفضنا أن لا سبيل لذلك إلا الرواية الثابتة، وأنى لنا ذلك، فهناك اختلاف كثير في النقول بهذا الجانب، وذكر جميع التفصيلات تطويل بغير طائل، ولكننا سنلقي بالمسؤولية على الزركشي فنثبت ما أثبته. ____________ (1) السيطي، الاتقان: 1 | 89. (2) ظ: تفصيل ذلك في كل من: الواحدي، أسباب النزول + الزركشي، البرهان: 1 | 22 ـ 33 + السيوطي، الاتقان: 1 | 82 ـ 98.