( 52 ) الضوابط الأخرى ناظرة في الأسلوب أو العرض أو الموضوع، أو القصر أو الطول، أو الشدة أو اللين، يستضاء بها ويسترشد إلى تمييز المكي من المدني وبالعكس. وسواء أكانت هذه الضوابط نقلية أم اجتهادية فإن لها استثناءات في حدود، وتماثلا بين القسيمين في بعض الوجوه. وعليه فلا طريق لنا إلى القطع بالمكي أو المدني، إلا الرواية الصحيحة الثابتة، أو الأحداث التأريخية المتناولة لها سورة ما، وتقتضي التعيين الزماني أو التحديد المكاني، أو معرفة أسباب النزول بأشخاصه وأماكنه ووقائعه، لا دواعيه ومماثلاته ولوازمه، وبذلك يكون التدوين التأريخي لقسيمي القرآن مكية ومدنية، أمثل ترتيبا، وأكثر صحة. على أن تلك الضوابط ـ ولا ننكر أهميتها ـ تشير إلى خصائص قيمة في مسيرة الوحي القرآني من الإجمال إلى التفصيل، ومن العموميات إلى الجزئيات، ومن الإشارة إلى التصريح، وهي بالأخير تنبه إلى الإيمان بالمرحلية الزمانية والمكانية في التشريع والقوانين والأنظمة، وتبرهن على تطور أساليب الرسالة ومقتضياتها. وبديهي أن النزول إما أن يكون ابتدائيا، أو على أثر سؤال أو حادث أو استفتاء، فما كان منه ابتدائيا فيمكن اعتباره الأصل الأولي في الدين، والأساس في أركان التشريع العامة، وحجر الزاوية في تنظيم العالم من قبل الله تفضلا منه وتحننا ورحمة، وما جاء عقب واقعة فأما أن يكون حكما جديدا لا عهد لهم به، أو نبأ مجهولا عند السائلين، أو تفصيلا في حدود وفرائض أجملت من ذي قبل، وفيه تتجلى حكمة التشريع وبواعث الحكم، وعنه نشأ علم أسباب النزول، والعلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، واستفيد منه إنسانية القرآن، وعالمية دعوته، وشمولية أحكامه، لأه العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويعرف به الناسخ من المنسوخ في بعض الحالات، وفيه تعيين تأريخي للأحداث، وتقويم عام للمشكلات، وطريقه الأمثل هو النقل الصحيح القطعي. قال الواحدي: " لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية