( 49 ) وقد سلك في كشف تأريخ السور مسلكا قويما يهدي إلى الحق أحيانا، فإنه جعل الحروب والغزوات الحادثة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلم تأريخها كحرب بدر والخندق وصلح الحديبية وأشباهها من المدارك لفهم تأريخ ما نزل من القرآن، وجعل اختلاف لهجة القرآن وأسلوبه الخطابي، دليلا آخر لتأريخ آياته، وهو يرتاب في بحثه التحليلي في الروايات والأحاديث وأقوال المفسرين في تأريخ القرآن، وفي عين الحال يأخذ من مجموعها ما يضيء فكره، ويرشده على تأريخ السور والآيات ونظمها أحيانا (1). وقد ظهرت في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر محاولات لترتيب سور القرآن، ودراسة مراحله التأريخية، منها محاولة وليم موير الذي قسم المراحل القرآنية إلى ست، خمس منها في مكة وسادستها في المدينة. ومنها محاولة ويل التي بدأها سنة 1844 م، ولم تتخذ صورتها النهائية إلا سنة 1872، وقسم في ضوئها المراحل القرآنية إلى أربع: ثلاث في مكة ورابعة في المدينة، فتابعه على ذلك نولدكه وشفالي، وتأثر بذلك كل من، بل وبلاشير (2). إلا أن هؤلاء جميعا قد رفضوا الأثر والروايات في تأريخ النزول مما خالفوا به مصدرا رئيسيا من مصادر التعيين في ترتيب النزل، وذلك عن طريق الجمع بين الروايات وغربلتها، والأخذ بأوثقها. وقد أورد ابن حجر عن الإمام علي عليه السلام: أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجه ابن أبي داود (3). وأيد وجود ذلك صاحب الميزان وتحدث عن خصوصياته (4). وقد أثبت في " كتاب المباني لنظم المعاني " جدول لهذا الترتيب الزمني (5). ____________ (1) ظ: المؤلف، المستشرقون والدراسات القرآنية: 88 وما بعدها. (2) ظ: صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن: 176 وانظر مصادره. (3) ظ: السيوطي، الاتقان: 1 | 202 + الزنجاني، تأريخ القرآن: 48. (4) ظ: الطباطبائي، القرآن في الإسلام: 134 ـ 138. (5) مقدمتان في علوم القرآن: 14.