(13) خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة طويلة أو قصيرة ـ لتبين له في نظامها ومخرجها، وفي لفظها وطبعها أنه عاجز عن مثلها، ولو تجدي بها أبلغ العرب لظهر عجزه عنها " (1). فعبارة القرآن إذن من سنخ ما يعرفون ويدركون، ولكنها ليس من جنس ما يحسنون لا كمّاً ولا كيفاً، فطلب إليهم الأتيان بمثله فما أستطاعوا، وتنزل على عشر سورة فما أطاقوا، فتحداهم بسورة واحدة فقال: ( وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مّمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِثلِهِ وَآدعُوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ آللهِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ *) (2) وقد دل الاستقراء أن أقصر سور القرآن هي الكوثر بسم الله الرحمن الرحيم: ( إِنَّآ أَعْطَيْناَكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ * ) (3). فما بال الأمم لا تأتي بسطر واحد من هذا الجنس ؟ وإذا كان القرآن قد أعجز العرب، فغير العرب أشد عجزاً لأمرين: الأول: أن العرب هم أهل اللسان، وقد عجزوا عن مجاراة القرآن، فغير أهل اللسان عاجزون من باب أولى. الثاني: أن اللغة العربية الشريفة ليست لغزاً من الألغاز، وهي قابلة للتعلم، وقد نبغ فيها كثير من مسلمي غير العرب، وأتقنها حملة من المستعربين والمستشرقين حتى ترجموا القرآن إلى لغاتهم وقدموا أفضل الدراسات القرآنية، وإنما التحدي أو يتحدى الإعجاز القرآني من كل أمة علماءها، وعلماء الأمم يتمكنون من العربية، فتوجه إليهم التحدي وعجزوا عن ذلك في كل زمان ومكان. ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرءَانِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعضُهُمْ لِبَعضٍ ظَهِيراً * (4). وقد يقال بأن الله قد صرف قلوب الناس، وحبس ألسنتهم عن أن ____________ (1) الجاحظ، رسائل الجاحظ، تحقيق السندوبي: 120. (2) البقرة: 23. (3) الكوثر: 1 ـ 3. (4) الإسراء: 88.