(14) يأتوا بمثل هذا القرآن، فيسمى ذلك إعجازاً بالصرفة، وهو رأي المعتزلة (1). ولكن الرأي الأمثل، أن الله قد يسر جميع القدرات البيانية، ووهب مستلزمات البلاغة للناس وتحداهم فلم يتمكنوا من الأتيان بمثل لهذا القرآن، وذلك أبلغ في الإعجاز. فما هي وجوه هذا الإعجاز في القرآن وما هي مظاهره ؟ أحاول فيما يلي أن أضع ملخصا بأبرز وجوه الاعجاز ومظاهره على نحو الإجمال. 1 ـ الإعجاز الغيبي، ويتمثل بما تحدث عنه القرآن الكريم بضرس قاطع في الأنباء عن الغيب الماضي والمستقبلي: أ ـ عرض القرآن سيرة الأمم السالفة وجزئيات أحداثها، وكبريات أنبائها بلهجة الجزم واليقين، فأخبر عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وذي القرنين وأهل الكهف، وقوم عاد وثمود ولوط وشعيب، وجمهرة عظيمة ممن أصابهم عذاب الاستئصال بمجريات أحوالهم بما يعتبر كشفاً لأدق التفصيلات التأريخية بما لا علم لأحد به على وجه الكمال، وهي حالة لا عهد بها للمجتمع العربي في مكة، مما كعلهم يتهافتون على هذه الأخبار، ويتمثلون وقائعها بالمقياس التأريخي للإفادة من عبرها وأحداثها ومواردها. ب ـ وتحدث القرآن عن الأحداث المستقبلية بلغة التأكيد بعدة مناسبات أبرزها، وقعة بدر ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ *) (2) وغلبة الروم وانتصارها فيما بعد ( الم * غُلِبَتِ الرُّومَ * فِي أَدنَى الأَرضِ وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ* ) (3) وعن فتح مكة ( لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ ) (4) وهزمت قريش بعليائها وجبروتها في معركة بدر الكبرى، وانتصر الروم على ____________ (1) ظ: عبد الكريم الخطيب، الاعجاز في دراسات السابقين: 176 ـ 178. (2) القمر: 45. (3) الروم: 1 ـ 3. (4) الفتح: 27.