( 22 ) فالرماني الذي يعبر عن المجاز بالاستعارة ، ويضع الاستعارة في التطبيق موضع البحث ، إنما ينظر اليها باعتبارها عملا مجازيا يستدل به على وقوع المجاز في القرآن من وجه ، وعلى دلائل الإعجاز القرآني من وجه آخر . ويبدو ان نظرة البلاغيين في القرن الرابع من الهجرة كانت متحدة في هذا المقياس بأطاره العام ، فهذا أبو هلال العسكري ( ت : 395 هـ ) قد أشار الى المجاز بمعناه الواسع ونظر له من القرآن الكريم في صنوف الاستعارات القرآنية ، وقد أوضح رأيه في التنصيص على ذلك بقوله : " ولا بد لكل استعارة ومجاز من حقيقة ، وهي أصل الدلالة علة المعنى في اللغة "(1) . ويهمنا من هذا القول أنه جعل المجاز قسيما للحقيقة ، واعتبر الاستعارة كذلك لا فرق بينهما وبين المجاز ، وكانت تطبيقاته في هذا المنهج إستعارات القرآن . والحق أن أبا هلال كان ذا حدس إستعاري ، وحس بياني ، وذائقة بلاغية ناضجة فيما أورده من شواهد قرآنية في هذا المقام ، ففي قوله تعالى : ( وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا * )(2) . يقول أبو هلال : " حقيقته عمدنا ، وقدمنا أبلغ ، لأنه دلّ فيه على ماكان من إمهاله لهم ، حتى كأنه كان غائبا عنهم ، ثم قدم فأطلع على غير ما ينبغي فجازاهم بحسبه ، والمعنى الجامع بينهما العدل في شدة النكير ، لأن العمد الى إبطال الفاسد عدل ، وأما قوله ( هباءً منثورا ) فحقيقته أبطلناه ، حتى لم يحصل منه شيء ، والاستعارة أبلغ ، لأنه إخراج ما لا يرى الى ما يرى "(3) . وكان السيد الشريف الرضي ( ت : 406 هـ ) قد ألف كتابين في المجاز : لهما أهمية نقدية وبلاغية في البحث البياني في القرآن وعند العرب وهما : " تلخيص البيان في مجازات القرآن " و " والمجازات النبوية " ، وكان ____________ (1) العسكري ، كتاب الصناعتين : 276 . (2) الفرقان : 23 . (3) العسكري ، كتاب الصناعتين : 277 .