( 21 ) الحقيقة ، كانت أولى به ، ولم تجز ، وكل استعارة فلا بد لها من حقيقة ، وهي أصل الدلالة على المعنى . . . ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الأستعارة على جهة البلاغة "(1) . ومن هذا يبدوا أن الرماني قد لحظ المجاز بإطاره البلاغي العام ، فكل ما كان غير حقيقي سواء أكان إستعارة أم مجازا فهو استعمال مجازي ، وينظر لهذا بعشرات الآيات القرآنية ، ويعطي المعنى الحقيقي ، والمجازي بهذا المنظور الذي أوضحناه ، شأنه بهذا شأن من سبقه الى النظرة نفسها . ففي قوله تعالى ( ولمّا سكت عن موسى الغضب )(2) . قال الرماني " وحقيقته إنتفاء الغضب ، والأستعارة أبلغ لأنه انتفى انتفاء مراصد بالعودة ، فهو كالسكوت على مراصدة الكلام بما توجبه الحكمة في الحال ، فانتفى الغضب بالسكوت عما يكره ، والمعنى الجامع بينهما الإمساك عما يكره "(3) . وفي قوله تعالى ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) ، (4) ينظر الرماني إلى المجاز في " ريبة " إلى أنه استعارة ، مما يعني عدم وضوح التمييز بين المجاز والاستعارة عنده ، وكلاهما مجاز بالمعنى العام عنده ، إذ عبر الله عن البنيان بأنه ريبة ، وإنما هو ذو ريبة كما يرى ذلك الرماني ، وإذا صير هذا الاطلاق عليه فهو مجاز ، والتعبير عنه بالاستعارة عند الرماني يعني أن النظرة للاستعارة والمجاز على حد سواء . يقول الرماني في تعقيبه على الآية الكريمة " وأصل البنيان إنما هو للحيطان وما أشبهها ، وحقيقيته إعتقادهم الذي عملوا عليه ، والاستعارة أبلغ لما فيهامن البينان بما يحس ويتصور ، وجعل البنيان ريبة وإنما هو ذو ريبة ، كما تقول : هو خبث كله ، وذلك أبلغ من أن يجعله ممتزجا ، لأن قوة الذم للريبة ، فجاء على البلاغة لا على الحذف الذي إنما يراد به الإيجاز في العبارة فقط "(5) . ____________ (1) المصدر نفسه : 86 . (2) الأعراف : 154 . (3) الرماني : النكت في إعجاز القرآن : 87 . (4) التوبة : 110 . (5) الرماني ، النكت في إعجاز القرآن : 91 .