( 23 ) إطلاق المجاز في هذين الأثرين يشمل الاستعارة والتشبيه والتمثيل والمجاز نفسه ، كما سيتضح فيما بعد ، لكنه في عرضه الاصطلاحي أضيق دائرة من فضفاضية الاستعمال الجاحظي ، وعموميته عند الرماني ، واتساعه عند إبن جني والوقوف به عند الاستعارة فحسب عند أبي هلال . وقد عبر إبن رشيق القيرواني ( ت : 456 هـ ) أن العرب كثيرا ما تستعمل المجاز وتعده من مفاخر كلامها(1) . ونظرته في هذا نظرة من سبقه في المعنى العام . إذن فمصطلح المجاز بمعناه الواسع عريق من ناحيتين : الأولى : استعمال النقاد والبلاغيين العرب له من قبل أن تتبلور دلالته الاصطلاحية الدقيقة . الثانية : وروده في المظان البيانية واللغوية والتفسيرية بمعنى يقابل الحقيقة ، وإن اشتمل على جملة من أنواع البيان ، أو قصدت به الاستعارة باعتبارها تقابل الحقيقة لأنها استعمال مجازي . والذي نريد أن ننوه به أن هذا الأصل معرّف بالأصالة منذ عهد مبكر في خطوطه الأولى ، وليس هو من ابتكار المعتزلة ، بقدر ما لهم من فضل في المساهمة فيه شأنهم بذلك شأن البلاغيين فيما بعد عصر الرضي وعبد القاهر . 3 ـ مجاز القرآن في مرحلة التأصيل : يبدو أن إبن قتيبة ( ت : 276 هـ ) كان سباقا الى بحث المجاز في ضوء القرآن في كتابه " تأويل مشكل القرآن " ولكن التحقيق في الموضوع لديه لم يمثل عملا مستقلا في هذا الباب ، بل شكّل بابا في الكتاب . وكان الدور الذي قام به الشريف الرضي ( ت : 406 هـ ) دورا حافلا ، إذ كتب " تلخيص البيان في مجازات القرآن " فكان بحثا متفردا ومتخصصا في الموضوع . ____________ (1) ابن رشيق ، العمدة في محاسن الشعر : 1 / 265 .