( 17 ) حينا آخر ـ بابا خاصا تناول فيه فصولا من المأهول المجازي في الاستعارة والمجاز والتمثيل(1) . والذي يبدو لي من تعقب هذه الحقبة أن الاتجاه المنظور اليه لدى العلماء في مصنفاتهم التي أوردناها كان البحث المنظّم والمفهرس في غريب القرآن ، ومعانيه اللغوية ، وشوارده العربية ، ولم يكن لمجاز القرآن ولا لمعاينه بالاصطلاح البلاغي فيها أي إرادة مسبقة ، وإن وردت بعض الإشارات البلاغية بإطارها العام مما لا بد منه في إيضاح المعنى اللغوي فالبلاغة جزء من علم اللغة . 2 ـ مجاز القرآن بإطاره البلاغي العام : يبدو أن الجاحظ ( ت : 255 هـ ) هو أول من استعمل المجاز للدلالة على جميع الصور البيانية تارة ، أو على المعنى المقابل للحقيقة تارة أخرى ، بل على معالم الصورة الفنية المستخلصة من اقتران الألفاظ بالمعاني ، فهو كمعاصريه يعبر عن جمهرة الفنون البلاغية كالاستعارة والتشبيه والتمثيل والمجاز نفسه ، يعبر عنها جميعا بالمجاز ، ويتضح هذا جليا في أغلب استعمالات الجاحظ البلاغية التي يطلق عليها اسم المجاز ، وقد انسحب هذا على المجاز القرآني لديه (2) . ويعلل هذا التواضع عند الجاحظ ومعاصريه بأمرين : الأول : إرجاع صنوف البيان العربي وتفريعاته الى الأصل ، وهو عندهم : المجاز بمعناه الواسع . الثاني : عدم وضوح استقلالية هذه المصطلحات بالمراد الدقيق منها في مفهومها ودلالتها كما هي الحال في جلائها بحدود معينة بعد عصر الجاحظ عند كل من ابن قتيبة ( ت : 276 هـ ) وعلي بن عبد العزيز المعروف بالقاضي الجرجاني ( ت : 366 هـ ) وعلي بن عيسى الرماني ( ت : 386 هـ ) وسليمان بن حمد الخطابي ( ت : 388 هـ ) وأبي هلال العسكري ____________ (1) ظ : ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن : 76 وما بعدها . (2) ظ : استعمالات الجاحظ لاطلاقات المجاز ، الحيوان : 5 / 23 ـ 34 .