( 16 ) القرآن في تعبيراته ، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال من المعنى الذي حدده علماء البلاغة لكلمة المجاز "(1) . ولا أدلّ على هذا المذهب من قول أبي عبيدة نفسه وهو بإزاء تحرير مجاز القرأن " وفي القرآن ما في الكلام العربي من وجوه الأعراب ، ومن الغريب والمعاني "(2) . فهو بصدد هذا الملحظ الذي ذكره ، وإن اشتمل مجموع ما أفاضه " مجاز القرآن " على جملة من أنواع المجاز الاصطلاحي ، ولكنه إنما يقصد بالمجاز معناه اللغوي ، وقد يقصد به أحيانا : الميزان الصرفي ، وقد يعني به نحو العرب وطريقتهم في التفسير والتعبير ، وهو الأعم الأغلب في مراده . وبعد هذا " نستطيع ـ مطمئنين ـ ان نقرر أن كلمة " مجاز " إنما هي تسمية لغوية تعني التفسير ، فالمعرفة بأساليب العرب ، ودلالات ألفاظها ، ومعاني أشعارها ، وأوزان ألفاظها ، ووجوه إعرابها ، وطريق قراءاتها ، كل ذلك سبيل موصلة الى المعنى ، فمجاز القرآن يقصد أبو عبيدة به " المعبر " الى فهمه ، فالتسمية لغوية وليست إصطلاحية "(3) . ومهما يكن من أمر فقد عالج ابو عبيدة في " مجاز القرآن " كيفية التوصل الى فهم المعاني القرآنية باحتذاء أساليب العرب في كلامهم وسننهم في وسائل الإبانة عن المعاني ، ولم يعن بالمجاز ما هو قسيم للحقيقة ، وإنما عني بمجاز الآية : ما يعبر به عن الآية (4) . وكان سبيل أبي عبيدة في مجاز القرآن نفسه سبيل معاصره أبي زكريا الفرّاء ( ت : 207 هـ ) في " معاني القرآن " وجزءا من سبيل إبن قتيبة في " تأويل مشكل القرآن " في حدود معينة ، لأن كتاب ابن قتيبة ( ت : 276 هـ ) قد اشتمل على مباحث مجازية مهمة ، كما سنشاهد هذا في مرحلة التأصيل ، اذ عقد للمجاز ـ بمعناه العام حينا وبمعناه الاصطلاحي الدقيق ____________ (1) فؤاد سزكين ، مجاز القرآن ، المقدمة : 1 / 18 . (2) أبو عبيدة ، مجاز القرآن : 1 / 8 . (3) مصطفى الصاوي الجويني ، مناهج في التفسير : 77 . (4) ظ : أحمد مطلوب ، فنون بلاغية : 92 .