( 18 ) ( ت : 395 هـ ) مما قد يعتبر بدايات إصطلاحية في إطار ضيق ، ولكنه قد يحدد بعض معالم الرؤية . فالجاحظ حينما يتحدث عن المجاز القرآني فإنه ينظر له بقوله تعالى : ( إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا * )(1) . ويعد هذا من باب المجاز والتشبيه على شاكلة قوله تعالى : ( أكّالون للسّحت )(2) . وعنده أن هذا قد يقال لهم ، وإن شربوا بتلك الأموال الأنبدة ، ولبسوا الحلل ، وركبوا الدواب ، ولم ينفقوا منها درهما واحدا في سبيل الأكل ، وتمام الآية ( إنّما يأكلون في بطونهم نارا ) مجاز آخر . . . فهذا كله مختلف ، وهو كله مجاز(3) . والجاحظ هنا ينظر الى المجاز باعتباره في قبال الحقيقة ، وهو قسيم لها ، في تنظيره له ، وتلك بداية لها قيمتها الفنية . ويرى البعض أن إطلاق المجاز في معناه الدقيق إنما بدأ مع المعتزلة ،وهم مجوزون له لوروده في القرآن ، وقد أشار الى ذلك ابن تيمية ، واعتبر المجاز دون مبرر أمرا حادثا ، وفنا عارضا ، لم يتكلم به الأوائل من الأئمة والصحابة والتابعين ، فقال : " وتقسيم الألفاظ الدالة على معانيها الى حقيقة ومجاز ، وتقسيم دلالتها أو المعاني المدلول عليها إن استعمل لفظا الحقيقة والمجاز في المدلول أو الدّلالة ، فإن هذا كله قد يقع في كلام المتأخرين ، ولكن المشهور أن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ ، وبكل حال فهذا التقسيم إصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثالثة الأولى . . وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز ، هو أبو عبيدة معمّر ابن المثنى في كتابه ، ____________ (1) النساء : 10 . (2) المائدة : 42 . (3) ظ : الجاحظ ، الحيوان : 5 / 25 وما بعدها .