( 45 ) إيجاد مثل هذه الحكومات الجائرة المستبدّة، إنّما هي: الحكومة الصالحة العادلة الحائزة لرضا الاُمّة، الملتزمة بإجراء القوانين الإلهيّة العادلة. ومن المعلوم; أنّ مثل هذه الحكومة لن تهدف إلاّ خدمة الامة، وحماية حقوقها وحرمتها وصيانة كرامتها، وتحقيق سعادتها، ولذلك فهي تعيش في ضمير الاُمّة وترتبط بوجدانها. إنّ ما ينشد الإسلام إقامته وإيجاده هو: الدولة العادلة التي رسم الإمام عليّ ـ عليه السلام ـ أهمّ خطوطها في عهده المشهور لمالك الأشتر الذي ولاّه على مصر، حيث يقول في موضع منه: "واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرّغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع"(1). إنّ الحاكم العادل ـ في نظر الإسلام ـ هو من يشارك شعبه في أفراحه وأتراحه، وفي آلامه وآماله، لا أن يعيش في البروج العاجيّة، متنعّماً في أحضان اللّذة، رافلاً في أنواع الخير، غير عارف بأحوال من يسوسهم; كما قال الإمام عليّ ـ عليه السلام ـ وهويرسم بذلك ملامح الحكومة الإسلاميّة الصالحة: "ءأقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همُّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمُّمها"(2) ولو كان المفكّرون المعاصرون يعرفون ما اشترطه الإسلام للحاكم من شروط وعيّن له من وظائف وواجبات، وفرض عليه من قيود، وكيف يجب عليه أن يكون في جميع أفعاله منسجماً مع القوانين الإسلاميّة العادلة، ولو عرفوا الأهداف التي يبتغيها الإسلام من وراء إقامة الدولة الإسلاميّة، لما اعتبروا قيام مثل هذه الحكومة معارضاً للحرّيّات الفرديّة أبداً. ــــــــــــــــــــــــــــ 1- نهج البلاغة:الرسالة رقم (53). 2- نهج البلاغة:الرسالة رقم (45).