( 43 ) الإخراج من البلد. فيقول: ( لاَ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُواْ إِلَيهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنّمَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ فَاُولَئِكَ هُمُ الظّالِمونَ)(الممتحنة: 8ـ9). فالإسلام لايمنع عن البرّ والقسط إليهم، وإنّما منع عن الذين ظاهروا على المسلمين وتآمروا ضدّهم. إنّ هذه الآية تعطي ميزاناً كلّيّاً لكيفية تعامل المسلمين مع غيرهم، والميزان هو مسالمة كلّ من سالم ومعاداة كلّ من عادى. وممّا يؤيّد هذا الأمر قوله سبحانه: ( يَا أَيُّها الّذِينَ ءَامنُوا لاَ تَتّخِذُواْ بِطَانَةً مِنْ دونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُم تَعْقِلُونَ )(آل عمران: 118). إذن; فالقرآن يمنع من التسامح مع الآخرين إذا كانوا يعادون المسلمين ويتعاونون مع المشركين لإيذاء المسلمين. إنّ نظرةً واحدةً إلى التاريخ الإسلاميّ تكشف لنا; أنّ عدل الحكومات الإسلاميّة وعفوها ولطفها كان سبباً لأن يرجّح الكثير من المسيحيين وغيرهم، العيش في ظل النظام الإسلاميّ رغبةً وطواعية لما رأوا وسمعوا ولمسوا من مسامحة المسلمين وحسن معاملتهم، ولما لمسوه من حكّامهم المتديّنين بدينهم من الظلم والجور على خلاف المسلمين وحكّامهم. وإليك ما ذكره البلاذري في هذا المجال: ( لمّا جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردّوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم، فقال أهلحمص [ وكانوا مسيحيّين ]: لولايتكم وعدلكم أحبُّ إلينا ممّا كنّا فيه من الظلم،والغشم، ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم، ونهض اليهود فقالوا: