( 37 ) على الشعب; اتّجاه الحاكم إذ يقول ـ في وضوح كامل ـ: "و أعظم ما افترض اللّه من تلك الحقوق; حقُّ الوالي على الرّعيّة وحقُّ الرّعيّة على الوالي، فريضةً فرض اللّه سبحانه، لكلّ على كلّ، فجعلها نظاماً لالفتهم، وعزاً لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرّعيّة. فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحقُّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السُّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرّعيّة واليها أو أجحف الوالي برعيّته اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدّين، وتركت محاجُّ السُّنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذلُّ الأبرار، وتعزُّ الأشرار، وتعظّم تبعات اللّه عند العباد"(1). ثمّ إنّ الإمام عليّاً ـ عليه السلام ـ يصرّح في هذه الخطبة ذاتها بالحقوق المشتركة والمسؤوليات المتقابلة إذ يقول: "أمّا بعد، فقد جعل اللّه لي عليكم حقّاً بولاية أمركم، ولكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم". ثم يشير الإمام ـ عليه السلام ـ في هذه الخطبة إلى واحدة من أنصع القوانين الإسلاميّة; وهو قانون التسوية بين جميع أفراد الاُمّة الإسلاميّة حكّاماً ومحكومين، رؤوساء ومرؤوسين، وزراء ومستوزرين، وبذلك ينسف فكرة: أنا القانون، أو أنا فوق القانون، فيقول ـ عليه السلام ـ: "... الحقُّ لا يجري لأحد إلاّ جرى عليه، ولا يجري عليه إلاّ جرى له". وعلى هذا; فلا تمييز ولا تفرقة بين الحاكم والمحكوم بل الجميع أمام القوانين الإسلاميّة المدنيّة والجزائيّة وغيرها سواء، وعلى الحاكم والرئيس أن يؤدّي حقوق الناس كأيّ فرد من أفراد الاُمّة العاديين، وبذلك يدعم الإمام ما روي عن الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إذ يقول: "النّاس أمام الحقّ سواء". ــــــــــــــــــــــــــــ 1- نهج البلاغة:الخطبة 211، طبعة عبده.