( 33 ) الطائفة الرابعة: هم الذين يبتغون الحرّيات الفرديّة مطلقةً لا تحدُّها حدود، أو يتصورون أنّ قيام الدولة والحريّة الفرديّة أمران متناقضان لا يجتمعان. . فالدولة تزاحم هذه الحريات وتحدّها على الإطلاق. والحقُّ أنّ هذا الفريق لم يفرّق بين الحرية اللائقة بالإنسان، اللازمة له، والحريّة السائدة في عالم الغاب. فالحريّة السائدة في الغاب; تعني عدم التقيّد بأيّة سنّة معقولة، وأي قانون يحفظ الحقوق وأيّ حدود تحفظ الكرامات. . فهناك تفعل الحيوانات والوحوش ما تشاء، بمجرّد أن تكون ذات قوّة غالبة، وشهوة عارمة ومخالب أشدّ فتكاً وبأساً. وأمّا الحرية اللائقة بالانسان الجديرة بشأنه ومكانته; فهي التي تكون ضمن قوانين وسنن وحدود وموازين معقولة تضمن نموّ القوى البشريّة، وتكامل المواهب الإنسانيّة وسيرها في الاتجاه الصحيح، وبلوغها إلى كمالها الممكن، ولا يتأتّى ذلك إلا في إطار حريّة معقولة محسوبة. وبعبارة اخرى: أنّ الحريّة الصحيحة اللائقة بالإنسان إنّما هي توفير الفرصالمناسبة لنموّ الاستعدادات والقابليّات الانسانيّة في الفرد والمجتمع، لانتقالهامن مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعليّة، وبالتالي رشدها وبلوغها إلى درجة الكمال الممكن. وحيث إنّ هذا النمو والبلوغ لايمكن أن يتمّ في جو من الفوضى، بل لابدّ من شروط وحدود; تكون القوانين والسنن الصالحة هي تلك الشروط التي تضمن ذلك البلوغ، لا أن تقيّده وتمنع من تحقُّقه كما يتوهّم. وحول الحريّة المعقولة الصحيحة يقول الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ لإسماعيل البصريّ: "تقعدون في المكان فتحدّثون وتقولون ما شئتم، وتتبرّؤون ممّن شئتم، وتولّون من شئتم ؟". قال إسماعيل: نعم.