( 32 ) الفوارق والمشكلات الاقتصاديّة تنتفي الحاجة إلى الدولة. وقد مضت الإجابة الكاملة على هذه النظرية الخاطئة في الجزء الأوّل من كتابنا. فهناك قلنا: بأنّ الدوافع الحقيقية إلى وجود الدولة لاتنحصر في المسائل الماديّة، والمشاكل الاقتصاديّة، ليزول الاختلاف والتصارع بمجرّد محو الفوارق الطبقيّة، وزوال الصراع الطبقي وتنتفي الحاجة إلى الدولة. بل هناك دوافع أخلاقيّة وغرائزيّة إلى جانب المسائل الاقتصاديّة ـ سبق شرحها ـ(1) ولأجلها لامناص للمجتمع ـ كيفما كان ـ من تأسيس الدولة وإقامتها. الطائفة الثانية: هم أصحاب السوابق السوداء الذين تضمن الأوضاع الفوضويّة وغياب السلطة الحكومية مصالحهم الخاصّة، ويخشون طائلة الحساب والعقاب والملاحقة والمؤاخذة، ولذلك نجدهم يعارضون وجود الدولة ليتسنّى لهم المضيُّ في ما يريدون دون محاسب أو رقيب، ودون شيء يعرّض مصالحهم للخطر، ويسدّ عليهم طريق النهب والسلب !! الطائفة الثالثة: وهم الذين لم يعهدوا من الحكومات إلاّ العنف والجور والاستبداد وخدمة الأقوياء، وسحق المستضعفين وهضم حقوقهم، وامتصاص دمائهم، ونهب خيراتهم وهدر كرامتهم. فهم بمجرد سماع لاسم الدولة يتذكرون فوراً تلك الحكومات الجائرة وسجونها المخيفة، وتعذيبها الوحشيّ الذي كان ينتظر أيّ معارض أو معترض. . ولذلك فهم ينفرون من سماعهم اسم الدولة، ويخشون من قيامها أشدّ خشيةً لما يلازمها من صور الاستبداد والعنف والظلم !! غير أنّ هذا الفريق لو تسنّى له أن يقف على صيغة( الحكومة الإسلاميّة) بخصائصها المطلوبة منها، وما تتّسم به من إنسانيّة ورحمة وعدل; لما اتخذ هذا الموقف السلبيّ من الحكومة التي يدعو الإسلام إلى انشائها وايجادها. بل لاستقبلها برحابة صدر، ولسعى إلى إيجادها وإقامتها سعياً. ــــــــــــــــــــــــــــ 1- راجع الجزء الاول من كتابنا:572.