( 650 ) ولم يشذ عن ذلك إلاّ ماركس الذي اعتبر وجود الدولة أمراً ضرورياً ما دام هناك وجود للصراع الطبقي، أما مع انتشار الشيوعية واستقرار النظام الشيوعي في العالم كله فلا حاجة إليها. غير أنّ ماركس نظر إلى الحياة البشرية من زاوية واحدة هي زاوية "الصراع الطبقي" في حين أنّ للحياة البشرية زوايا أُخرى لو نظر إليها ماركس، وطالعها بموضوعية ودقة، لما حكم بعدم الحاجة إلى الدولة، ولما دعا إلى زوالها حتى بعد انتشار الشيوعية ـ حسب نظره ـ . لأنّ سبب النزاع والاختلاف بين أفراد البشر لا ينحصر في الصراع الطبقي فقط بحيث لو زال هذا الصراع لأصبحت الأرض جنة عدن، بل هناك الغرائز البشرية كغريزة حب الجاه، وحب الذات، وغيرها من الغرائز غير المهذبة، هي أيضاً منشأ الصراع والاختلاف بين البشر إلى جانب "الصراع الطبقي". ثم على فرض أن لا يكون هناك صراع طبقي فضرورة وجود الحكومة لأجل إدارة المجتمع من زاوية للقيام بحوائجها الاجتماعية أمر لا مناص منه. فالمجتمع الذي زال فيه الصراع الطبقي لا يشذ عن سائر المجتمعات في احتياجه إلى من يدير أُموره من تأمين سكنه وصحته وتعليمه وتربيته ومواصلاته البرية والبحرية والجوية، والفصل في خصوماته في ما لا يرجع إلى الأُمور الطبقية إلى غير ذلك من الشؤون التي لا مناص منها لإقامة المجتمع مما يحتاج إلى المؤسسات، وإدارة شؤونها. فلابد من مؤسسات تقوم كل واحدة منها بناحية من هذه الأُمور وتنظيمها ولانعني من الحكومة إلاّ هذا .