( 651 ) وعلى أي حال فلابد من دولة توقف الناس على وظائفهم القانونية، وتعاقب المخالفين المتجاوزين، وتعيد الحقوق المهضمومة إلى ذويها، وتصون النظام والانضباط الاجتماعي الذي يمثل قاعدة السعادة ورمز بقاء المدنية، وأساس استمرار الحضارة وسبب تقدم البشرية في المجالات المادية والمعنوية. وخلاصة القول: إنّ حفظ النظام الاجتماعي والحضارة الإنسانية وتعريف أفراد المجتمع بواجباتهم، ومالهم وما عليهم من الحقوق، ورفع أي نزاع وتصارع في حياة الجماعة أُمور تحتاج إلى : مرجع قوي يقوم بهذه المهام الضخمة، وهذا الواجب الإنساني الشريف ويحفظ بالتالي أساس الحضارة الذي هو حفظ النظام الاجتماعي وصيانته من التقهقر والانحطاط. إنّ حقيقة الإسلام ليست إلاّ سلسلة من "الأُصول والفروع" المنزلة من جانب اللّه والتي كلَّف رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بدعوة الناس إليها وتطبيقها على الحياة في الظروف المناسبة، ولكن حيث إنّ تطبيق طائفة من الأحكام التي تكفل استقرار النظام في المجتمع لم يكن ممكناً دون تشكيل حكومة وقيام دولة، لذلك أقدم النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بحكم العقل، وبحكم ما كان له من الولاية المعطاة له من قبل اللّه، على تشكيل دولة. على أنّ الحكومة ليست بذاتها هدف الإسلام بل الهدف هو تنفيذ الأحكام والقوانين وضمان الأهداف الإسلامية العليا، وحيث إنّ هذه الأُمور لا تتحقق دون أجهزة سياسية، وسلطات حكومية لذلك قام النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بنفسه بمهمة تشكيل مثل هذه الدولة وتأسيس مثل هذه الحكومة. والخلاصة: أنّ إجراء حد السرقة والزنا على السارق والزاني، وتنفيذ سائر الحدود والعقوبات، ومعالجة مشاكل المسلمين، وتسوية نزاعاتهم في الأُمور المالية