( 603 ) (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوْ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).(1) فاللّه الذي خلق جميع ذرات هذا العالم وركّب أجزاءه ولاءم بين مختلفاته، هو الذي يعلم ـ علماً تاماً ـ أسرار ما خلق، وهو الذي يعلم ما يصلح النفس الإنسانية وما يفسدها، أحسن من غيره. وهو بعلمه المطلق وإحاطته الواسعة أدرى من غيره بعلاقات الأفراد، وأبعادها وآثارها، ويعرف العناصر الصالحة لإقامة مجتمع صالح سعيد، فهو أدرى من غيره بالقوانين التي تليق بالمجتمع الإنساني وتسعده، هذا بالنسبة إلى الشرط الأوّل. *** وأمّا الشرط الثاني، أعني: تجرّد المشرّع عن أيّ نوع من أنواع الهوى والنفعية، فلابد من الاعتراف بأنّه لا أحد هناك يتصف بهذه الصفة غيره سبحانه ، فهو الموجود الوحيد الذي لا نفع له في المجتمع الإنساني ليخشى عليه ويحرص على حفظه وصيانته عند سن القوانين. فهو الذي تنزّه عن الغرائز، في حين يتصف جميع أبناء البشر بحب الذات ـ التي تعتبر من أخطر آفات التشريع الصحيح ـ فهم مشدودون إليها رغم سعيهم للتخلّص من مخالبها، ومتأثرون بها مهما حاولوا عدم الخضوع لسلطانها. وقد أشار جان جاك روسو إلى هذه الحقيقة بقوله: لاكتشاف أفضل القوانين المفيدة للشعوب لابد من وجود عقل يرى جميع الشهوات البشرية، ولكن لا يجد في ذاته ميلاً نحوها، عقل لا يرتبط بالطبيعة ولا ــــــــــــــــــــــــــــ 1 .الملك: 14.