( 602 ) ويعيّن في ضوء ذلك واجبات الأشخاص تجاه بعضهم وتجاه أنفسهم ويضمن حقوقهم، ويقيّض لهم سعادتهم المادية والمعنوية، يجب أن يتوفر فيه أمران أساسيان: 1. أن يعرف الإنسان بعامّة خصوصياته، ويكون واقفاً على أسرار الكائن البشري وعارفاً بأُموره الروحية والجسمية بنحو دقيق، كالطبيب الذي لا يمكن أن يقوم بواجبه إلاّ بعد أن يتعرف على أحوال المريض وأوضاعه معرفة جيدة دقيقة ليتسنّى له معالجة المريض بنحو صحيح. وبعبارة أُخرى: أنّ المقنّن يجب أن يكون ملمّاً جيداً بعلم النفس الإنسانية، وعلم الاجتماع محيطاً بهما، واقفاً على حقائقهما، لتوقف غرض التشريع على ذلك، وبالجملة يجب أن يكون واقفاً على الأحوال الفردية والاجتماعية. 2. يجب أن يكون منزّهاً عن الهوى وعن أي نوع من حب الذات والنفعية، لأنّ حب الذات حجاب غليظ يحول دون رؤية المشرع للواقع، ويغطي على بصره وبصيرته. لأنّ المرء مهما كان عادلاً ومنصفاً ربما يقع بصورة لا شعورية في شباك "الهوى" ويتأثر بغريزة "حب الذات" وينحرف تحت ضغط "النفعية" عن صراط العدل المستقيم. ويجب أن نرى الآن فيمن يتوفر هذان الشرطان بنحو كامل؟ لا ريب إذا كان يتعين على المقنن أن يكون ذا معرفة كاملة بالإنسان، فلا ريب أنّه لا يوجد هناك من يعرف حقيقة النفس الإنسانية واحتياجاتها بكاملها سوى اللّه خالق الإنسان . ولقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة إذ قال: