( 593 ) فأيّ ربط لهذا الحديث بدعوة الصالحين التي لا تكون مقرونة بأيّ شيء من الاعتقاد بإلوهية المدعو ؟!! نعم يبقى هنا سؤال وهو أنّ دعوة الغير وإن لم تكن عبادة له على ما أوضحناه، ولكنها أمر محرّم بحكم هذه الآيات، فدعوة الصالحين من الأموات من الدعوات المحرّمة، لأنّها دعوة غيره سبحانه ، ودعوة الغير منهية عنه، نعم لا تشمل الآيات دعوة الأحياء لأنّه أمر جائز بالضرورة، فيستنتج منها حرمة دعوة الصلحاء الماضين وإن لم يكن شركاً. والجواب عنه واضح بعد الاحاطة بما ذكرناه، لأنّ الآيات ناظرة إلى دعوة خاصّة صادرة من المشركين، وهي دعوة آلهتهم وأربابهم المزعومة، والنهي عن هذه الدعوة المخصوصة لا توجب حرمة جميع الدعوات حتى فيما لم تكن بهذه المنزلة. وأوضح دليل على ما ذكرناه هو ما اعترف به السائل من عدم شمول الخطابات لدعوة الأحياء وطلب الحاجة منهم، فإنّ خروج هذا القسم ليس خروجاً عن حكم الآيات حتى يكون تخصيصاً، بل خروج عن موضوعها وعدم شمولها له من أوّل الأمر، وليس الوجه لخروجه عن الآيات إلاّ ما ذكرناه من أنّ الآيات ناظرة إلى الدعوة التي كان المشركون يقومون بها طيلة حياتهم، وهي دعوة الأصنام والأوثان بما هي آلهة، بما هم يملكون لهم النفع والضر والشفاعة والغفران، وهذا الملاك ليس بموجود في دعوة الصلحاء. ولأجل هذه العقيدة في حق الآلهة يقول سبحانه في الإله الذي صنعه السامري: (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً)(1). ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . طه: 88 ـ 89.