( 594 ) ومما يدل على ما ذكرناه هو تكرار كلمة "من دونه" في الآيات، فإنّها ليست لتعميم كل دعوة متوجهة إلى غيره سبحانه، حتى نحتاج إلى إخراج بعض الأقسام، أعني: دعوة الأحياء لطلب الحوائج، أو دعوة الأموات لا لطلب الحاجة، بل للتوسل والاستشفاع، بل جيء به لتبيين خصوصية هذه الدعوة، وهي دعوة الغير بظن أنّه يقوم بالفعل مستقلاً من دون اللّه كما هو المزعوم للمشركين في آلهتهم. وأمّا طلب الحاجة ممّن لا يقوم (في زعم الداعي) إلاّ بأمره سبحانه ومشيئته بحيث لا تكون دعوته منفكة عن دعوة اللّه سبحانه فلا يصدق عليه قوله تعالى: (والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ بِشَيْء).(1) وغيره من الآيات. بناء المساجد على القبور قد سبق(2) منا أنّ التبرّك بآثار الأولياء وعباد اللّه الصالحين خصوصاً التبرك بآثار النبي كان أمراً رائجاً بين المسلمين، وعلى ذلك فبناء المساجد على القبور بعنوان التبرّك ممّا لا إشكال فيه، هذا، ويظهر من بعض الآيات أنّ أهل الشرائع السماوية كانوا يبنون المساجد على قبور أوليائهم أو عندها، ولأجل ذلك لما كشف أمر أصحاب الكهف تنازع الواقفون على آثارهم، فمنهم من قال وهم المشركون: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)(3)، وقال الآخرون وهم المسلمون: (لَنَتَّخِذَنَّ ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . الرعد: 14. 2 . من كتابنا هذا ص 535. 3 . الكهف: 21.