( 592 ) فإذا كانت لفظة "ادعوا" في قوله سبحانه : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً)ولفظة (لا تَدْعُوا) في قوله سبحانه (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ) بمعنى المناداة، فكيف تكون الدعوة الطلبية مستلزمة للدعوة العبادية؟ إنّ هاتين الآيتين ـ على فرض دلالتهما ـ (ولا دلالة لهما) لا تدلان على أكثر من النهي عن دعوة غير اللّه، وأمّا أنّ دعوته تكون مستلزمة لعبادته فلا يدل ظاهر الآية عليه أبداً، إذ أنّ النهي عن الشيء ليس دليلاً على كون المنهي عنه مصداقاً للعبادة. الثاني: انّ الدعوة الطلبية إنّما تستلزم الدعوة العبادية إذا اعتقد الداعي بإلوهية المدعو على مراتبها، ففي هذه الموارد تستلزم الدعوة الطلبية، الدعوة العبادية، بل هي الدعوة العبادية عينها، وليست مستلزمة لها، وتكون مثل هذه الدعوة عبادة لا أنّها مسلتزمة للعبادة. ولكن إذا دعا الداعي أحداً، مجرّداً عن الاعتقاد المذكور، فلا تكون دعوته ـ حينئذ ـ عبادة له. ثالثاً: من الغريب جداً أنّ تصح الاستغاثة بالأحياء وتكون مشروعة ـ على الإطلاق ـ غافلاً عن أنّه لو كان مطلق الاستغاثة بغير اللّه (حتى إذا لم تكن مصحوبة بالاعتقاد بإلوهية أو مالكية المستغاث) شركاً لما كان لموت المدعو وحياته أيُّ أثر في هذا القسم . وما ورد عن النبي الأكرم من أنّ الدعاء مخ العبادة، فالمراد هو الدعوة الخاصة، أعني: ما إذا كانت مصحوبة بالاعتقادبإلوهية المدعو . وبتعبير آخر، أنّ المقصود بالدعاء في الحديث المذكور إنّما هو دعاء اللّه، فيكون دعاء اللّه مخ العبادة.