( 42 ) الدين الإلهي) بكونه فطرياً جبلياً.(1) ويشهد الواقع على ذلك إذ نرى أنّ كل التعاليم الّتي جاء بها الدين من عقيدة وعمل، تنطبق على مجموع الاحتياجات الفطرية سواء بسواء.(2) والإمعان في الآية المذكورة يفيدنا أنّ الدين عجن بفطرة البشر عجناً، فإذا هو منها وإذا هي منه، وجزء من كيانه. وحقيقة الدين ليست سوى الطريق الأفضل الذي يجب أن تسلكه البشرية للوصول إلى السعادة. وبتعبير آخر: انّ الهدف والغاية من خلق البشر ليس إلاّ الحصول على السعادة والكمال، وقد هدى اللّه تعالى كل فرد من أفراد البشر بل وكل نوع من أنواع مخلوقاته إلى ذلك إذ جهزه بما يوصله إلى شواطئ السعادة المنشودة والكمال المطلوب بوسيلة مناسبة. وقد أشار الكتاب العزيز بصراحة إلى هذه "الهداية التكوينية" العامة والتي لا تقتصر على بني آدم بل تشمل كل الكائنات على الإطلاق. 1 . الاستدلال بالآية في المقام موقوف على كون الدين بمعنى مجموع العقيدة والشريعة لا بمعنى الطاعة كما هو الظاهر من قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: 5) أي مخلصين له الطاعة. فإنّ الدين في تلك الآية وأضرابها بمعنى الطاعة. فلو قلنا بكون الدين في هذه الآية بمعنى الطاعة، لصارت من شواهد التوحيد في الطاعة. غير أنّ مشاهير المفسرين قد فسروا الدين في الآية المبحوثة هنا بمجموع العقيدة والشريعة، وجعلوا العقائد الإسلامية وأُصول الشريعة وكليّاتها (لا جزئياتها وتفاصيلها) من الأُمور الفطرية. 2 . هذا بالإضافة إلى أنّنا نجد أغلبية الناس يميلون إليها طوعاً ورغبة إذا عرضت عليهم على النحو الصحيح، وإذا هم تجرّدوا عن العصبية ـ الهادي ـ .