( 35 ) أن يستفيد من هذا الكنز العظيم الزاخر بالعبر والدروس. ومن أجل ذلك راح الأنبياء العظام والمصلحون العالميون، والحكماء والفلاسفة، ومن ورائهم المربون الاجتماعيون وأساتذة الأخلاق، والنفسانيون وغيرهم يلفتون نظر المجتمعات البشرية إلى "تاريخ الأسلاف" ويدعونهم إلى قراءته واستلهام الدروس منه، وراح كل واحد من هذه الطوائف التي ذكرنا يستفيد من هذا الكنز العظيم، أعني : التاريخ البشري، ما أمكنه لإنجاح مهمته، وأهدافه لما في التاريخ من أدلة وشواهد لما يقولون. إنّ تصفح مثل هذا التاريخ ومطالعة حياة الأقوام والشعوب السالفة وعلل ظهور الحضارات "الواحدة والعشرين"(1) وأرضياتها وأُسسها، وسيلة مطمئنة للباحث الذي يريد الاطلاع على جذور التديّن في قلوب البشر وفي تاريخه الطويل. فالمتصفح في التاريخ البشري الطويل يرى كيف أنّ البشر اختار ـ طوال آلاف السنين وخلال هذه الحضارات المتنوعة ـ عشرات المناهج والأساليب لحياته، ولكنّه سرعان ما كان ينبذها ويحذفها من حياته تماماً. لقد كان البشر ولا يزال طالباً للجديد، وخاضعاً لسنة التطور والتحول والتغير ففيما هو يوجد لنفسه ولحياته، أو يختار، برامج وأساليب جديدة لنظامه نجده من جانب آخر يلغي أُموراً ـ تبعاً للعوامل الطبيعية والظروف المحيطية والعنصرية ـ طالما دافع عنها وأحبها إلى درجة بذل النفس في سبيلها. لكنَّ هناك أمراً واحداً بقي ثابتاً لا يتغير في قاموس الحياة البشرية، رغم كل 1 . حسبما أحصاها بعض مؤرخي الحضارات.