( 18 ) كما أنّ الذين اعتقدوا بوجود "مبدأين" لهذا العالم، وتصوّروا بأنّ خالق الخير هو غير خالق الشر هم أيضاً خرجوا عن دائرة التوحيد الافعالي وارتطموا في الشرك والثنوية في الفاعلية والتأثير.(1) 4. التوحيد في العبادة و نعني أنّ العبادة لا تكون إلاّ للّه وحده، وأنّه لا يستحق أحد أن يتخذ معبوداً مهما بلغ من الكمال والجلال وحاز من الشرف والعلاء. ذلك لأنّ الخضوع العبودي أمام أحد لا يجوز إلاّ لأحد سببين، لا يتوفران إلاّ في "اللّه" جل جلاله: 1. أن يبلغ المعبود حداً من الكمال يخلو معه عن أي عيب ونقص، فيستوجب ذلك الكمال أن يخضع له كل منصف ويعبده كل من يعرف قيمة ذلك ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . ونظنك أيّـها القارئ قد وقفت على الفرق بين التوحيد الافعالي، وبين ما يذهب إليه الأشاعرة والمجبرة. فإنّ الفاعل عند هاتين الطائفتين (الأشاعرة والمجبرة) لامشاركة له في أفعاله وآثاره أصلاً، وإنّها تستند إلى اللّه سبحانه مباشرة وبلا واسطة فهو الذي ينفذ الفعل عن طريق الفاعل دون إرادة و مشاركة من الفاعل في الفعل مطلقاً"!! و أمّا الذي نقوله نحن فهو أنّ كل فاعل إنّما يعتمد ـ في فعله وأثره ـ على اللّه من حيث إنّه فقير محتاج إلى الغني بالذات في جميع شؤونه وأطواره. وأنّ للفاعل ـ مريداً كان أو غير مريد ـ دوراً في حدوث الأثر و بروزه و أنّ الأثر لا يمكن أن يتحقق على صعيد الوجود إلاّ عن طريق هذا الفاعل. وكم فرق بين أن ننسب أفعال الفاعل كلها إلى اللّه مع نفي مشاركته فيها، وبين أن نعزي إمكانية التأثير إلى اللّه مع الاعتراف بمشاركة الفاعل في فعله. و سوف يظهر لك الفرق بين المدرستين ـ بنحو أكثر تفصيلاً ـ في البحوث الآتية.