( 17 ) فتذهب المدرسة الأُولى إلى أنّ الشمس والنار والسيف غير مؤثرة إطلاقاً، وغير دخيلة مطلقاً في وجود النور والحرارة والقطع، بل انّ عادة اللّه هي التي جرت على أن يوجد اللّه النور بعد طلوع الشمس، والحرارة عند حضور النار، والقطع عند حضور السيف، وإن لم تكن لهذه الأشياء [أي الشمس والنار والسيف ]أيّة مشاركة في إيجاد هذه الآثار ووقوعها. ولا شك أنّ هذه النظرية مرفوضة في نظر العقل ومنطق القرآن(1). فبينما تنفي مدرسة الأشاعرة دور العلل ومشاركتها رأساً، تذهب المدرسة الثانية (القائلة بالتوحيد الافعالي) إلى الاعتراف بأنّه لا مؤثر حقيقي في الوجود إلاّ "اللّه"(2) ولكن مع الاعتراف ـ إلى جانب ذلك ـ بدخالة "العلل" في إيجاد "الآثار"، مستمدة هذه القدرة على التأثير من ذلك المؤثر الحقيقي الواحد، ونعني "اللّه" سبحانه وتعالى. ولهذا يغدو أي اعتقاد بالثنوية أو التثليث مرفوضاً في منطق هذه المدرسة. وبهذا يتبيّـن أنّ القائلين بأنّ الإنسان محتاج إلى اللّه في أصل وجوده، ولكنه مستغن عنه تعالى في أفعاله ومستقل في تأثيره، قد سقطوا في الشرك من حيث لا يعلمون، ذلك لأنّهم بمثل هذا الاعتقاد يكونون قد اعترفوا ـ في الحقيقة ـ بمؤثرين أصيلين مستقلين غنيين وخرجوا بذلك عن إطار "التوحيد الافعالي" !! ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . فالقرآن يصرح بتأثير العلل الطبيعية في معاليلها حيث يقول: (يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ) (النحل:11) فإنّ قوله (بِهِ) صريح في تأثير الماء في إنبات هذه الثمار، وسيوافيك تفصيل القول في ذلك عند البحث في التوحيد الربوبي. 2 . الاعتراف بوحدانية المؤثر في صفحة الوجود لا ينافي القول بتأثير العلل الطبيعية في معاليلها.