( 435 ) الاَشاعرة عندما وصل إلى تفسير قوله سبحانه: (وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكلَّمهُ رَبُّهُ قاَل رَبّ أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْك...)(1) أخذ بتفسير الآية على مذاق الاَشاعرة، فلماذا كان سعي الطبرسي لاِثبات معتقده خطأ، ولكن كان سعي الرازي على ما يرويه من إثبات الروَية(2)أمراً صحيحاً؟! وليس الرازي بمنفرد في هذا العمل، بل التفاسير عامّة مصبوغة بهذه الصبغة، فانّ لكلّ مفسّـر آراء ومعتقدات يراها عقائد صحيحة، نزل بها الوحي أو دلّعليه العقل، ففي كلّ موضع يهتم بدعم عقائده واستعراض الآيات الدالّة عليه حسب معتقده، وليس ذلك أمراً خطأ إذا كان البحث موضوعياً هادئاً، وليس المترقّب من كلّموَلّف هادف إلاّ ذلك، وإنّما البغيض التعصّب على الباطل مع العلم به. يقول الاَُستاذ الشيخ محمود شلتوت، شيخ الاَزهر في تقديمه لكتاب "مجمع البيان": فليس من الاِنصاف أن نكلّف عالماً موَلّفاً بحّاثة درّاكة، أن يقف من مذهبه وفكرته التي آمن بها موقف الفتور، كأنّه لا تهمّه ولا تسيطر على عقله وقلبه، وكلّما نطلبه ممّن تجرد للبحث والتأليف، وعرض آراء المذاهب وأصحاب الاَفكار، أن يكون منصفاً، مهذب اللفظ، أميناً على التراث الاِسلامي، حريصاً على أخوّة الاِيمان والعلم، فإذا جادل ففي ظل تلك القاعدة المذهبيّة التي تمثل روح الاجتهاد المنصف البصير: "مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب". وهذا هو تفسير "المنار" الذي طبق العالم صيته وصوته يستعرض آيات الاَحكام ويستدلّ بها على ما يوافق مذهبه، كما يستعرض آيات العقائد والمعارف ____________ (1)الاَعراف:143. (2)مفاتيحالغيب: 4|293، ط مصر في ثمانية أجزاء.