( 16 ) إنّ "التوحيد الافعالي" لا يعني إنكار العلل الطبيعية أو إنكار مشاركتها في التأثير وفي حدوث معلولاتها، بل يعني مع الاعتراف بأنّ للعلل تمام المشاركة في ظهور الآثار، وأنّ هذه الآثار هي من خواص هذه العلل. أقول: يعني مع الاعتراف بهذا، الاعتراف بأنّه لا مؤثر حقيقي في صفحة الوجود إلاّ "اللّه" وأنّ تأثير ما سواه من المؤثرات إنّما هو في ظل قدرة اللّه، ذلكالمؤثر الحقيقي الأصيل، وأنّ هذه العلل ما هي إلاّ وسائط للفيض الإلهي. فمنه تعالى تكتسب "الشمس" القدرة على الإشراق والإضاءة كما استمدت منه أصل وجودها. ومنه تعالى تكتسب "النار" خاصية الإحراق والحرارة كما استمدت منه أصل وجودها، وأنّه تعالى هو الذي منح هذه العلل والأسباب هذه الخواص، وأعطاها هذه الآثار كمامنحها: وجودها أساساً وأصلاً. وبتعبير آخر نقول: إنّ التوحيد الأفعالي يعني أنّه لا مؤثر بالذات ـ في هذا الوجود ـ إلاّ "اللّه"، فهو وحده الذي لا يحتاج إلى معونة أحد أو شيء في الإيجاد والتأثير والإبداع والابتكار. وأمّا تأثير ما عداه "من العلل"، فجميعه يكون بالاعتماد على قدرته وقوته سبحانه . بهذا البيان يتضح الفرق بين مدرستين في هذا المجال: مدرسة الأشاعرة القائلين بعدم دخالة العلل في الآثار مطلقاً. والمدرسة القائلة بالتوحيد الافعالي.