( 15 ) والتوحيد الافعالي هو أن نعتقد بأنّ هذه "الآثار" مخلوقة هي أيضاً للّه تعالى كما أنّ عللها مخلوقة له سبحانه . بمعنى أنّ اللّه الذي خلق العلل المذكورة هو الذي منحها تلك "الآثار". فخلق الشمس وأعطاها خاصية الإشراق، وخلق النار وأعطاها خاصية الإحراق، وخلق السيف وأعطاه خاصية القطع، إلى آخر ما هنالك من العلل والمعلولات، والأسباب والمسببات والمؤثرات وآثارها. وبعبارة أُخرى: انّ "التوحيد الافعالي" هو أن نعترف بأنّ العالم بما فيه من العلل والمعاليل، والأسباب والمسببات، ما هو إلاّ فعل اللّه سبحانه، وأنّ الآثار صادرة عن مؤثراتها بإرادته ومشيئته. فكما أنّ الموجودات غير مستقلة في ذواتها بل هي قائمة به سبحانه، فكذا هي غير مستقلة في تأثيرها وعلّيَّتها وسببيَّتها. فيستنتج من ذلك أنّ اللّه سبحانه كما لا شريك له في ذاته، كذلك لا شريك له في فاعليته وسببيته، وأنّ كل سبب وفاعل ـ بذاتهما وحقيقتهما وبتأثيرهما وفاعليتهما ـ قائم به سبحانه وأنّه لا حول ولا قوة إلاّ به. ويندرج في ذلك "الإنسان" ، فبما أنّه موجود من موجودات العالم وواحد من أجزائه فإنّ له فاعلية، وعلية بالنسبة لأفعاله، كما أنّ له حرية تامّة في مصيره وعاقبة حياته، ولكنَّه ليس موجوداً مفوّضاً(1) إليه ذلك، بل هو بحول اللّه وقوته يقوم ويقعد ويتسبب ويؤثر . ــــــــــــــــــــــــــــ 1 . المراد من التفويض هو أنّ اللّه أعطاه الفاعلية ثم هو يفعل ما يريد دون مشيئة اللّه وعلى نحو الاستقلال، وسيأتي شرح التفويض في الفصول القادمة مسهباً.