والله قد فطر العباد عربهم وعجمهم على أنهم إذا دعوا الله توجهت قلوبهم إلى العلو ولا يقصدونه تحت أرجلهم ولهذا قال بعض العارفين لم يقل عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه أن يتحرك لسانه يعني بطلب العلو ولا يلتفت يمنة لا يسرة .
والقائل الذي يقول إن الله لا ينحصر في مكان إن أراد بذلك أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات أو أنه لا يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب وإن أراد أن الله ليس فوق السموات ولا هو على العرش وليس هناك إله يعبد ومحمد لم يعرج به إلى الله فهذا جهمي فرعوني معطل ومنشأ الضلال أن يظن الظان أن صفات الرب كصفات خلقه فيظن أن الله سبحانه على عرشه كالملك المخلوق على سريره فهذا تمثيل وضلال وذلك أن الملك مفتقر إلى سريره ولو زال سريره لسقط والله غني عن العرش وعن كل شيء وكل ما سواه فقير إليه وهو حامل العرش وحملته وعلوه لا يوجب افتقاره إليه فإن الله قد جعل المخلوقات عاليا وسافلا وجعل المعالي غنيا عن السافل كما جعل فوق الأرض وليس هو مفتقر إليها وجعل السماء فوق الهواء